داره رحى أو وضع فيها حدادين أو قصابين لم يمنع؛ لأن للناس التصرف في أملاكهم بما أحبوا، وما يجد الناس من مثل هذا بدًّا، وإذا تعدَّى مستأجر على أجير في نقصان أجرة أو استزادة عمل كفه عن تعديه، وكان الإنكار عليه معتبرًا بشواهد حاله، ولو قصر الأجير في حق المستأجر فنقصه من العمل، أو استزاده في الأجرة منعه وأنكره عليه إذا تخاصما إليه، فإن اختلفا وتناكرا كان الحاكم بالنظر بينهما أحق.

ومما يؤخذ ولادة الحسبة بمراعاته من أهل الصنائع في الأسواق ثلاثة أصناف: منهم من يراعي عمله في الوفور والقصير؛ ومنهم من يراعي في حالة الأمانة والخيانة، ومنهم من يراعي عمله في الجودة والرداءة.

فأما من يراعي في عمله في الوفور والتقصير فكالطبيب والمعلمين؛ لأن الطبيب إقدامًا على النفوس يفضي التقصير فيه إلى تلف أو سقم، والمعلمين من الطرائق التي ينشأ الصغار عليها ما يكون نقلهم عنها بعد الكبير عسيرًا، فيقر منهم من توفر عمله وحسنت طريقته، ويمنع من قصر وأساء من التصدي لما يفسد به النفوس وتخبت به الآداب.

وأما من يراعي في الأمانة والخيانة فمثل الصاغة والحاكة والقصارين والصباغين؛ لأنهم ربما هربوا بأموال الناس، فيراعي أهل الثقة والأمانة منهم فيقرهم، ويبعد من ظهرت خيانته ويشهر أمره؛ لئلَّا يغتر به من لا يعرفه، وقد قيل: إن الحماة وولاة المعاون أخصّ بالنظر في أحوال هؤلاء من ولاية الحسبة وهو الأشبة؛ لأنَّ الخيانة تابعة للسرقة.

وأما من يراعي عمله في الجودة والرداءة فهو مما ينفرد بالنظر فيه ولاة الحسبة، ولهم أن ينكروا عليهم في العموم فساد العمل ورداءته، وإن لم يكن فيه مستعد. وأما في عمل مخصوص اعتاد الصانع فيه الفساد والتدليس. فإذا استعداه الخصم قابل عليه بالإنكار والزجر، فإن تعلق بذلك غرم روعي حال الغرم، فإن افتقر إلى تقرير أو تقويم لمن يمكن للمحتسب أن ينظر فيه؛ لافتقاره إلى اجتهاد حكمي، وكان القاضي بالنظر فيه أحق، وإن لم يفتقر إلى تقدير ولا تقويم، واستحق فيه المثل الذي لا اجتهاد فيه ولا تنازع، فللمحتسب أن ينظر فيه بإلزام الغرم والتأديب على فعله؛ لأنه أخذ بالتناصف وزجر عن التعدي.

ولا يجوز أن يسعّر على الناس الأقوات ولا غيرها في رخص ولا غلاء، وأجازه مالك في الأقوات مع الغلاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015