عنك. وإذا رأى وقفه رجل مع امرأة في طريق سابل لم تظهر منهما أمارات الريب لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار، فما يجد الناس بدًّا من هذا.
وإن كانت الوقفة في طريق خال، فخلو المكان ريبة فينكرها، ولا يعجل بالتأديب عليهما حذارًا من أن تكون ذات محرم، وليقل: إن كانت ذات محرم فصنها عن مواقف الريب، وإن كانت أجنبية فخف الله تعالى من خلوة تؤديك إلى معصية الله تعالى؛ وليكن زجره بحسب الأمارات.
حكى أبو الأزهر أنَّ ابن عائشة رأى رجلًا يكلم امرأة في طريقها، فقال له: إن كانت حرمتك إنه لقبيح بك أن تكلمها بين الناس، وإن لم تكن حرمتك فهو أقبح، ثم ولَّى عنه وجلس للناس يحدثهم، فإذا برقعة قد ألقيت في حجره مكتوب فيها "من الكامل":
إن التي أبصرتني ... سحرًا أكلمها رسول
أدت إليّ رسالة ... كادت لها نفسي تسيل
من فاتر الألحاظ بجـ ... ـذب خصره ردف ثقيل
متنكبًا قوس الصبا ... يرمي وليس له رسيل
فلو أن أذنك بيننا ... حتى تسمع ما تقول
لرأيت ما استقبحت من ... أمري هو الحسن الجميل
فقرأها ابن عائشة ووجد مكتوبًا على رأسها أبو نواس1، فقال ابن عائشة: ما لي وللتعويض لأبي نواس، وهذا القدر من إنكار ابن عائشة كافٍ لمثله، ولا يكون لمن ندب للإنكار من ولاه الحسبة كافيًا، وليس فيما قال أبو نواس تصريح بفجور؛ لاحتمال أن يكون إشارة إلى ذات محرم، وإن كانت شواهد حاله وفحوى كلامه ينطقان بفجوره وريبته، فيكون من مثل أبي نواس منكرًا، وإن جاز أن يكون من غيره منكرًا. فإذا رأى المحتسب في هذا