لئلَّا يجتمع فيه المسافرون، فيكون سببًا لانتشار الفتنة وسفك الدماء، وكما يفعل في إقطاع الموات ما يرى، فإن لم يستأذنوه حتى نزلوه لم يمنعهم منه، كما لا يمنع من أحيا مواتًا بغير إذنه، ودبَّرهم بما يراه صلاحًا لهم، ونهاهم عن إحداث زيادة من بعد إلَّا عن إذنه.
روى كثير بن عبد الله بن عن أبيه عن جده قال: قدمنا مع عمر بن الخطاب في عمرته سنة سبع عشرة، فكلمه أهل المياه في الطريق أن يبنوا بيوتًا فيما بين مكة والمدينة لم تكن قبل ذلك، فأذن لهم واشترط عليهم أنَّ ابن السبيل أحقّ بالماء والظلّ.
وأما القسم الثاني: وهو ما يختص بأفنية الدور والأملاك، فإن كان مضرًّا بأربابها منع المرتفقون منها، إلَّا أن يأذنوا بدخول الضرر عليهم فيمكنوا، وإن كان غير مضر بهم، ففي إباحة ارتفاقهم به من غير إذنهم قولان:
أحدهما: أنَّ لهم الارتفاق بها وإن لم يأذن أربابها؛ لأن الحريم مرفق إذا وصل أهله إلى حقهم منه ساواهم فيما عداه.
والقول الثاني: أنه لا يجوز الارتفاق بحريمهم إلَّا عن إذانهم؛ لأنه تبع لأملاكهم، فكانوا به أحق وبالتصرف فيه أخص، فأمَّا حريم الجوامع والمساجد فإن كان الارتفاق به مضرًّا بأهل المساجد والجوامع منعوا منه، ولم يجز للسلطان أن يأذن لهم فيه؛ لأنَّ المصلين به أحق، وإن لمن يكن مضرًّا أجاز ارتفاقهم بحريمها1. وهل يعتبر فيه إذن السلطان لهم على وجهين منَ القولين في حريم الأملاك.
وأمَّا القسم الثالث: وهو ما اختص بأفنية الشوارع والطرق فهو موقوف على نظر السلطان، وفي نظره وجهان:
أحدهما: أن نظره فيه مقصور على كفهم عن التعدي، ومنعهم من الإضرار، والإصلاح بينهم عند التشاجر، وليس له أن يقيم جالسًا، ولا أن يقدّم مؤخرًا، ويكون السابق إلى