واختلف أصحاب الشافعي: هل يصير مالكًا له قبل استقائه وحيازته، فذهب بعضهم إلى أنَّه يجري على ملكه في قراره قبل حيازته؛ كما إذا ملك معدنًا ما فيه قبل أخذه، ويجوز بيعه قبل استقائه، ومن اتقاه بغير إذنه استرجع منه، وقال آخرون: لا يملكه إلَّا بعد الحيازة؛ لأنَّ أصله موضوع على الإباحة، وله أن يمنع من التصرف فيها باستقائه، فإن غلبه من استقاء لم يسترجع منه شيئًا، فإذا استقرَّ حكم هذه البئر في اختصاصه بملكها واستحقاقه لمائها فله سقي مواشيه وزرعه ونخيله وأشجاره، فإن لم يفضل عن كفايته فضل لم يلزمه بذلك شيء منه إلّا لمضطر على نفس.

وروى الحسن -رحمه الله- أن رجلًا أتى أهل ماء فاستسقاهم، فلم يسقوه حتى مات، فأغرمهم عمر -رضي الله عنه- الدية، وإن فضل منه بعد كفايته فضل لزمه -على مذهب الشافعي- أن يبذل فضل مائه للشاربة من أرباب المواشي والحيوان دون الزرع والأشجار.

وقال -من أصحابه أبو عبيدة بن جرثومة: لا يلزمه بذل الفضل منه لحيوان ولا زرع.

وقال آخرون منهم: يلزمه بذله للحيوان دون الزرع، وما ذهب إليه الشافعي من وجوب بذله للحيوان دون الزرع هو المشروع. روى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من منع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة" 1.

وبذل هذا الفضل معتبر بأربعة شروط:

أحدها: أن يكون في قرار البئر، فإن استقاه لم يلزمه بذله.

والثاني: أن يكون متصلًا بكلأ، فإن لم يقرب منَ الكلأ لم يلزمه بذله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015