بِوَزْنِ سَبْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ عَلَى كُلِّ جَرِيبٍ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ الْمِثْقَالِ، وَأَنَّ مِسَاحَةَ مَا كَانَ يُزْرَعُ مِنْهُ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ إلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ.
وَإِذْ قَدْ اسْتَقَرَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُدُودِ السَّوَادِ وَمِسَاحَةِ مَزَارِعِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي فَتْحِهِ وَفِي حُكْمِهِ.
فَذَهَبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إلَى أَنَّهُ فُتِحَ عَنْوَةً، لَكِنْ لَمْ يُقَسِّمْهُ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَأَقَرَّهُ عَلَى سُكَّانِهِ، وَضَرَبَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرْضِهِ.
وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي السَّوَادِ أَنَّهُ فُتِحَ عَنْوَةً، وَاقْتَسَمَهُ الْغَانِمُونَ مِلْكًا، ثُمَّ اسْتَنْزَلَهُمْ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَنَزَلُوا إلَّا طَائِفَةً اسْتَطَابَ نُفُوسَهُمْ بِمَالٍ عَاوَضَهُمْ بِهِ عَنْ حُقُوقِهِمْ مِنْهُ، فَلَمَّا خَلَصَ لِلْمُسْلِمِينَ ضَرَبَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَيْهِ خَرَاجًا.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي حُكْمِهِ؛ فَذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ إلَى أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَفَهُ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَقَرَّهُ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهِ بِخَرَاجٍ ضَرَبَهُ عَلَى رِقَابِ الْأَرْضَيْنِ يَكُونُ أُجْرَةً لَهَا تُؤَدَّى فِي كُلِّ عَامٍ.
وَإِنْ لَمْ تَتَقَدَّرْ مُدَّتُهَا لِعُمُومِ الْمَصْلَحَةِ فِيهَا، وَصَارَتْ بِوَقْفِهِ لَهَا فِي حُكْمِ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ خَيْبَرَ وَالْعَوَالِي وَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ، وَيَكُونُ الْمَأْخُوذُ مِنْ خَرَاجِهَا مَصْرُوفًا فِي الْمَصَالِحِ، وَلَا يَكُونُ فَيْئًا مَخْمُوسًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ خُمِّسَ، وَلَا يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الْجَيْشِ؛ لِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَصَارَ مَصْرِفُهُ فِي عُمُومِ مَصَالِحِهِمُ الَّتِي مِنْهَا أَرْزَاقُ الْجَيْشِ وَتَحْصِينُ الثُّغُورِ وَبِنَاءُ الْجَوَامِعِ وَالْقَنَاطِرِ، وَكِرَاءُ الْأَنْهَارِ، وَأَرْزَاقُ مَنْ تَعُمُّ بِهِمْ الْمَصْلَحَةُ مِنَ الْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ، فَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ رِقَابِهَا، وَتَكُونُ الْمُعَارَضَةُ عَلَيْهَا بِالِانْتِفَاعِ، وَالِانْتِقَالِ لِأَيْدٍ، وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ لَا لِثُبُوتِ الْمِلْكِ، إلَّا عَلَى مَا أُحْدِثَ فِيهَا مِنْ غَرْسٍ وَبِنَاءٍ، وَقِيلَ: إنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَفَ السَّوَادَ بِرَأْيِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حِينَ اسْتَنْزَلَ الْغَانِمِينَ عَنِ السَّوَادِ بَاعَهُ عَلَى الْأَكَرَةِ وَالدَّهَاقِينَ بِالْمَالِ الَّذِي وَضَعَهُ عَلَيْهَا خَرَاجًا يُؤَدُّونَهُ فِي كُلِّ عَامٍ، فَكَانَ الْخَرَاجُ ثَمَنًا، وَجَازَ مِثْلُهُ فِي عُمُومِ الْمَصَالِحِ، كَمَا قُبِلَ بِجَوَازِ مِثْلِهِ فِي الْإِجَازَةِ، وَأَنَّ بَيْعَ أَرْضِ السَّوَادِ يَجُوزُ، وَيَكُونُ الْبَيْعُ مُوجِبًا لِلتَّمْلِيكِ.