بِلَادُ الْإِسْلَامِ تَنْقَسِمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: حَرَمٌ، وَحِجَازٍ، وَمَا عَدَاهُمَا.
أَمَّا الْحَرَمُ فَمَكَّةُ وَمَا طَافَ بِهَا مِنْ نُصُبِ حَرَمِهَا، وَقَدْ ذَكَرَهَا اللَّهُ تعالى بِاسْمَيْنِ فِي كِتَابِهِ: مَكَّةَ وَبَكَّةَ، فَذَكَرَ مَكَّةَ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} [الفتح: 24] .
وَمَكَّةُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَمَكَّكْتُ الْمُخَّ مِنَ الْعَظْمِ تَمَكُّكًا: إذَا اسْتَخْرَجْتَهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا تَمُكَّ الْفَاجِرُ عَنْهَا وَتُخْرِجُهُ مِنْهَا، عَلَى مَا حَكَاهُ الْأَصْمَعِيُّ، وَأَنْشَدَ قَوْلَ الرَّاجِزِ فِي تَلْبِيَتِهِ:
يَا مَكَّةُ الْفَاجِرَ مُكِّي مَكَّا ... وَلَا تَمُكِّي مُذْحِجًا وَعَكَّا
وَذَكَرَ بَكَّةَ فِي قَوْلِهِ -عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةِ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: وَسُمِّيَتْ بَكَّةُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَبُكُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِيهَا، أَيْ: يَدْفَعُ، وَأَنْشَدَ "مِنَ الرَّجَزِ":
إذَا الشِّرِّيبُ أَخَذَتْهُ أَكَّهْ ... فَخَلِّهِ حَتَّى يُبَكَّ بَكَّهْ
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا لُغَتَانِ وَالْمُسَمَّى بِهِمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُبْدِلُ الْمِيمَ بِالْبَاءِ فَتَقُولُ: ضَرْبَةُ لَازِمٍ وَضَرْبَةُ لَازِبٍ؛ لِقُرْبِ الْمَخْرَجَيْنِ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُمَا اسْمَانِ وَالْمُسَمَّى بِهِمَا شَيْئَانِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَسْمَاءِ مَوْضُوعٌ لِاخْتِلَافِ الْمُسَمَّى، وَمَنْ قَالَ: بِهَذَا اخْتَلَفَ فِي الْمُسَمَّى بِهِمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إنَّ مَكَّةَ اسْمُ الْبَلَدِ كُلِّهِ، وَبَكَّةُ اسْمُ الْبَيْتِ، وَهَذَا قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي أَيُّوبَ.
وَالثَّانِي: إنَّ مَكَّةَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَبَكَّةُ الْمَسْجِدُ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَحَكَى مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ: كَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُسَمَّى صَلَاحًا لِأَمْنِهَا، وَأَنْشَدَ قَوْلَ