أَصْلِحُوا آخِرَتَكُمْ تَصْلُحْ لَكُمْ دُنْيَاكُمْ، إنَّ امْرَأً لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ إلَّا الْمَوْتُ لَمُعْرِقٌ لَهُ فِي الْمَوْتِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: جَوْرُ الْعُمَّالِ فِيمَا يَجِبُونَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، فَيَرْجِعُ فِيهِ إلَى الْقَوَانِينِ الْعَاذِلَةِ فِي دَوَاوِينِ الْأَئِمَّةِ، فَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَيْهَا وَيَأْخُذُ الْعُمَّالَ بِهَا، وَيَنْظُرُ فِيمَا اسْتَزَادُوهُ، فَإِنْ رَفَعُوهُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَمَرَ بِرَدِّهِ، وَإِنْ أَخَذُوهُ لِأَنْفُسِهِمُ اسْتَرْجَعَهُ لِأَرْبَابِهِ.
"فَقَدْ حُكِيَ" عَنْ الْمُهْتَدِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ جَلَسَ يَوْمًا لِلْمَظَالِمِ، فَرُفِعَتْ إلَيْهِ قَصَصٌ فِي الْكُسُورِ فَسَأَلَ عَنْهَا، فَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ وَهْبٍ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَسَّطَ الْخَرَاجَ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ، وَمَا فُتِحَ مِنْ نَوَاحِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَرَقًا وَعَيْنًا، وَكَانَتْ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ مَضْرُوبَةً عَلَى وَزْنِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَكَانَ أَهْلُ الْبُلْدَانِ يُؤَدُّونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْمَالِ عَدَدًا، وَلَا يَنْظُرُونَ فِي فَضْلِ بَعْضِ الْأَوْزَانِ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ فَسَدَ النَّاسُ، فَصَارَ أَرْبَابُ الْخَرَاجِ يُؤَدُّونَ الطَّبَرِيَّةَ الَّتِي هِيَ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ، وَتَمَسَّكُوا بِالْوَافِي الَّذِي وَزْنُهُ وَزْنُ الْمِثْقَالِ، فَلَمَّا وَلِيَ زِيَادٌ الْعِرَاقَ طَالَبَ بِأَدَاءِ الْوَافِي، وَأَلْزَمَهُمْ الْكُسُورَ، وَجَارَ فِيهِ عُمَّالُ بَنِي أُمَيَّةَ، إلَى أَنْ وَلِيَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، فَنَظَرَ بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ، وَقَدَّرَ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ عَلَى نِصْفِ وَخُمُسِ الْمِثْقَالِ، وَتَرَكَ الْمِثْقَالَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ مِنْ بَعْدِهِ أَعَادَ الْمُطَالَبَةَ بِالْكُسُورِ حَتَّى أَسْقَطَهَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَعَادَهَا مِنْ بَعْدِهِ إلَى أَيَّامِ الْمَنْصُورِ إلَى أَنْ خَرِبَ السَّوَادُ، فَأَزَالَ الْمَنْصُورُ الْخَرَاجَ عَنِ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَرِقًا، وَصَيَّرَهُ مُقَاسَمَةً، وَهُمَا أَكْثَرُ غَلَّاتِ السَّوَادِ، وَأَبْقَى الْيَسِيرَ مِنَ الْحُبُوبِ وَالنَّخْلِ وَالشَّجَرِ عَلَى رَسْمِ الْخَرَاجِ، وَهُوَ كَمَا يُلْزَمُونَ الْآنَ الْكُسُورَ وَالْمُؤَنَ، فَقَالَ الْمُهْتَدِي: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أُلْزِمَ النَّاسَ ظُلْمًا تَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ تَأَخَّرَ، أَسْقِطُوهُ عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ مَخْلَدٍ1: إنْ أَسْقَطَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا ذَهَبَ مِنْ أَمْوَالِ السُّلْطَانِ فِي السَّنَةِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ الْمُهْتَدِي: عَلَيَّ أَنْ أُقَرِّرَ حَقًّا وَأُزِيلَ ظُلْمًا، وَإِنْ أَجْحَفَ بَيْتُ الْمَالِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: كُتَّابُ الدَّوَاوِينِ؛ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ثُبُوتِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا