فَصْلٌ:
وَإِذَا قُلِّدَ قَاضِيَانِ عَلَى بَلَدٍ لَمْ يَخْلُ حَالُ تَقْلِيدِهِمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَرِدَ إلَى أَحَدِهِمَا مَوْضِعًا مِنْهُ، وَإِلَى الْآخَرِ غَيْرُهُ فَيَصِحُّ، وَيَقْتَصِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّظَرِ فِي مَوْضِعِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَرِدَ إلَى أَحَدِهِمَا نَوْعٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَإِلَى الْآخَرِ غَيْرُهُ؛ كَرَدِّ الْمُدَايَنَاتِ إلَى أَحَدِهِمَا وَالْمَنَاكِحِ إلَى الْآخَرِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَيَقْتَصِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّظَرِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ الْخَاصِّ فِي الْبَلَدِ كُلِّهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَرِدَ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ فِي جَمِيعِ الْبَلَدِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَازِهِ، فَمَنَعَتْ مِنْهُ طَائِفَةٌ لِمَا يُفْضِي إلَيْهِ أَمْرُهُمَا مِنَ التَّشَاجُرِ فِي تَجَاذُبِ الْخُصُومِ إلَيْهِمَا، وَتَبْطُلُ وِلَايَتُهُمَا إنِ اجْتَمَعَتْ، وَتَصِحُّ وِلَايَةُ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا إنِ افْتَرَقَتْ، وَأَجَازَتْهُ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ؛ لِأَنَّهَا اسْتِنَابَةٌ كَالْوَكَالَةِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ عِنْدَ تَجَاذُبِ الْخُصُومِ قَوْلَ الطَّالِبِ دُونَ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ تَسَاوَيَا اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ الْحَاكِمَيْنِ إلَيْهِمَا، فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ قِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يُمْنَعَانِ مِنَ التَّحَاكُمِ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى أَحَدِهِمَا.