وقال في رواية حنبل " ينبغي لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتى" وللسلطان فيهم من النظر ما يوجبه الاحتياط من إنكار وإقرار.
وإذا أَرَادَ مَنْ هُوَ لِذَلِكَ أَهْلٌ أَنْ يَتَرَتَّبَ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ لِتَدْرِيسٍ أَوْ فُتْيَا، نُظِرَ في حال المسجد، فإن كان من مَسَاجِدُ الْمُحَالِ الَّتِي لَا يَتَرَتَّبُ الْأَئِمَّةُ فِيهَا من قبل السلطان لم يلزم من يترتب فيها لذلك اسْتِئْذَانُ السُّلْطَانِ فِي جُلُوسِهِ، كَمَا لَا يَلْزَمُ أن يستأذنه فيها من يترتب لِلْإِمَامَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ الْجَوَامِعِ وَكِبَارِ الْمَسَاجِدِ التي يترتب للإمامة فِيهَا بِتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ رُوعِيَ فِي ذَلِكَ عُرْفُ الْبَلَدِ وَعَادَتُهُ فِي جُلُوسِ أَمْثَالِهِ فَإِنْ كَانَ لِلسُّلْطَانِ فِي جُلُوسِ مِثْلِهِ نَظَرٌ لَمْ يَكُنْ له أن يترتب للجلوس في إلَّا عَنْ إذْنِهِ، كَمَا لَا يَتَرَتَّبُ لِلْإِمَامَةِ فيه إلا عن إذنه لأنه لا يُفْتَاتَ عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلسُّلْطَانِ فِي مِثْلِهِ نَظَرٌ مَعْهُودٌ لَمْ يَلْزَمْ استئذانه في ذلك وكان كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَسَاجِدِ. وَإِذَا ارْتَسَمَ بِمَوْضِعٍ مِنْ جامع أو مسجد ثم قَامَ عَنْهُ زَالَ حَقُّهُ مِنْهُ وَكَانَ السَّابِقُ إليه أحق، لقوله تعالى (سواء العاكف فيه والباد) . وَيُمْنَعُ النَّاسُ فِي الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مِنْ اسْتِطْرَاقِ حَلَقِ الْفُقَهَاءِ وَالْقُرَّاءِ، صِيَانَةً لِحُرْمَتِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قال " لا حمى إلا في ثلاثة: ثُلَّةُ الْبِئْرِ، وَطِوَلُ الْفَرَسِ، وَحَلَقَةُ الْقَوْمِ ". فَأَمَّا ثُلَّةُ الْبِئْرِ فَهُوَ مُنْتَهَى حَرِيمِهَا، وَأَمَّا طِوَلُ الْفَرَسِ فَهُوَ مَا دَار فِيهِ بِمَقُودِهِ إذَا كَانَ مَرْبُوطًا، وَأَمَّا حَلَقَةُ الْقَوْمِ فَهُوَ اسْتِدَارَتُهُمْ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَاوُرِ وَالْحَدِيثِ. وَإِذَا تَنَازَعَ أَهْلُ الْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، لَمْ يُعْتَرَضْ عَلَيْهِمْ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَحْدُثَ بَيْنَهُمْ تَنَافُرٌ فَيُكَفُّوا عَنْهُ. وَإِنْ حَدَثَ مُنَازِعٌ ارْتَكَبَ ما لا يسوغ في الِاجْتِهَادُ كُفَّ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ. فَإِنْ أَقَامَ عليه وتظاهر باستواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسمه بزواجر السلطنة ليبين ظُهُورَ بِدْعَتِهِ، وَيُوَضِّحَ بِدَلَائِلِ الشَّرْعِ فَسَادَ مَقَالَتِهِ، فَإِنَّ لِكُلِّ بِدْعَةٍ مُسْتَمِعًا، وَلِكُلِّ مُسْتَغْوٍ مُتَّبِعًا.
قد نص أحمد على جواز القطائع التي أقطعها الصحابة، وتوقف عن قطائع غيرهم من الأئمة. وإنما توقف في ذلك لأن منهم من أقطع ما لا يجوز إقطاعه.
فقال المروزي: سألت أبا عبد الله عن قطائع البصرة والكوفة؟ فقال: تجعل قطائع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل قطائع هؤلاء؟ ".