فإذا جَرَى عَلَى الْأَرْضِ حُكْمُ الْحِمَى اسْتِبْقَاءً لِمَوَاتِهَا، نظرت فيه. فإن كان لكافة الناس تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ مِنْ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ، وَمُسْلِمٍ وذمي، في رعي كلئه لخيله وماشيته. وإن خُصَّ بِهِ الْمُسْلِمُونَ اشْتَرَكَ فِيهِ أَغْنِيَاؤُهُمْ وَفُقَرَاؤُهُمْ، ومنع منه أهل الذمة. وإن خص به فقراء المسلمين مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ دُونَ الْفُقَرَاءِ، وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ. وَإِنْ خَصَّ بِهِ نَعَمَ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْلَ الْمُجَاهِدِينَ، لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ. ثُمَّ يَكُونُ الْحِمَى جَارِيًا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنْ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ، فَلَوْ اتَّسَعَ الْحِمَى الْمَخْصُوصُ لِعُمُومِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يشتركوا فيه لارتفاع الضرر على من خَصَّ بِهِ، وَلَوْ ضَاقَ الْحِمَى الْعَامُّ عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ أغنياؤهم. وفي جواز اختصاص فقرائهم احتمال. واذا استقر حكم الحمي عَلَى أَرْضٍ فَأَقْدَمَ عَلَيْهَا مَنْ أَحْيَاهَا وَنَقَضَ حماها، نظرت. فَإِنْ كَانَ مِمَّا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْحِمَى ثَابِتًا، وَالْإِحْيَاءُ باطلا.
وإن كان مما حمي الأئمة بعده احتمل وجهين: أحدهما: لا يقر، ويجري عليه حكم الْحِمَى، كَاَلَّذِي حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - ويحتمل أن يُقَرُّ الْإِحْيَاءُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ أَثْبَتَ مِنْ الْحِمَى، لعموم قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ لَهُ ". وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي عِوَضًا عَنْ مَرَاعِي مَوَاتٍ أَوْ حِمًى، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " الناس شركاء في ثلاث: الماء، والنار، والكلأ". وأما الإرفاق فهو من ارتفاق النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الْأَمْصَارِ، ومنازل الأسفار. فتنقسم ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ الِارْتِفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارَى وَالْفَلَوَاتِ. وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ الِارْتِفَاقُ فِيهِ بِأَفْنِيَةِ الْأَمْلَاكِ. وقسم يختص بالشوارع والطرقات. أما الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِالصَّحَارَى وَالْفَلَوَاتِ، كمنازل الأسفار وحلول المياه فذلك ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُ لِاجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ، فَلَا نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ