وقد قيل: إن هذا القضاء ليس على العموم في الأزمان والبلدان وإنما هو مقدر بالحاجة وقد تختلف من خمسة أوجه: أحدها: بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِينَ: فَمِنْهَا مَا يَرْتَوِي بِالْيَسِيرِ، وَمِنْهَا مَا لَا يَرْتَوِي إلَّا بِالْكَثِيرِ. وَالثَّانِي: بِاخْتِلَافِ ما فيها فإن للزروع من الشرب قدرا، وللنخيل وَالْأَشْجَارِ قَدْرًا. وَالثَّالِثُ: بِاخْتِلَافِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، فَإِنَّ لكل واحد من الزمانين قدرا. والرابع: باختلافهما فِي وَقْتِ الزَّرْعِ وَقَبْلِهِ، فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَقْتَيْنِ قَدْرًا. وَالْخَامِسُ: بِاخْتِلَافِ حَالِ الْمَاءِ فِي بَقَائِهِ وَانْقِطَاعِهِ، فَإِنَّ الْمُنْقَطِعَ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يَدَّخِرُ وَالدَّائِمُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا يُسْتَعْمَلُ. فلاختلافه من هذه الأوجه الخمسة لا يمكن تَحْدِيدُهُ بِمَا قَضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - في أحدها، فكان معتبرا بالعرف والعادة المعهودة عند الحاجة إليه. فإن سَقَى رَجُلٌ أَرْضَهُ أَوْ فَجَّرَهَا فَسَالَ مِنْ مَائِهَا إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَغَرَّقَهَا لَمْ يَضْمَنْ، لأنه تصرف في ملكه بمباح. وقد نص أحمد على نظير هذا في رواية البرزاطي " إذا أحرق حقلا له فتعدت النار إلى زرع غيره فأحرقه لا ضمان عليه". فَإِنْ اجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ سَمَكٌ كَانَ الثاني أحق بصيده من الأول، لأنه في ملكه. وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية موسى بن أبي موسى " في رجل اشترى قطعة باقلي أو شيء ونضب الماء عنها فصار فيها سمك فالسمك لصاحب الأرض" فحكم به لصاحب الأرض دون مشتري الباقلي. القسم الثالث من الأنهار ما احتفر الآدميون مِنْ الْأَرْضِينَ، فَيَكُونُ النَّهْرُ بَيْنَهُمْ مِلْكًا مُشْتَرَكًا، كالرزق المشترك بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمْ بِمِلْكِهِ. فَإِنْ كان النَّهْرُ بِالْبَصْرَةِ يَدْخُلُهُ مَاءُ الْمَدِّ فَهُوَ يَعُمُّ جَمِيعَ أَهْلِهِ لَا يَتَشَاحُّونَ فِيهِ لِاتِّسَاعِ مَائِهِ.

وَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى حَبْسِهِ لِعُلُوِّهِ بِالْمَدِّ إلَى الحد الذي يرتوي منه جميع الأرضين، ثم يغيض بعد الارتواء في الجزائر، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ الْبَصْرَةِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي لا مدّ فيها ولا يجوز، فالنهر مملوك لم احتفره من أرباب الأرضين، لا حقّ لِغَيْرِهِ فِي شُرْبٍ مِنْهُ وَلَا مَغِيضَ، وَلَا يجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015