ويعظمونها عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَيْهِمْ فَيُرْسِلُونَهُ، فَيَقُومُ قَوْلُهُ" فوضنا إليك" مقام قوله " فوضت" وقوله " الوزارة " مقام قوله" وزارتي" فإن قال " قد قلدتك وزارتي" أو قال " قد قلدتك والوزارة" لَمْ يَصِرْ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ وُزَرَاءِ التَّفْوِيضِ حتى يبيبه بِمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّفْوِيضَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يقول فيما حكاه عن موسى (واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري) فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مُجَرَّدِ الْوَزَارَةِ حَتَّى قَرَنَهَا بشد أزره وإشراكه في أمره. وعلى الوزير وزارة التفويض مطالعة الإمام بما أَمْضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ وَأَنْفَذَهُ مِنْ وِلَايَةٍ وَتَقْلِيدٍ، لئلا يصير بالاستبداد كالإمام. وعلى الإمام أَنْ يَتَصَفَّحَ أَفْعَالَ الْوَزِيرِ وَتَدْبِيرَهُ الْأُمُورَ لِيُقِرَّ مِنْهَا مَا وَافَقَ الصَّوَابَ وَيَسْتَدْرِكَ مَا خَالَفَهُ. لأن تدبير الأمة، وكول إليه وإلى اجتهاده وَيَجُوزُ لِهَذَا الْوَزِيرِ أَنْ يَحْكُمَ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يقلد الحكم كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، لِأَنَّ شُرُوطَ الْحُكْمِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْمَظَالِمِ ويستنيب في تنفيذها لأن شروط الجهاد فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ تَنْفِيذَ الْأُمُورِ الَّتِي دَبَّرَهَا وَأَنْ يَسْتَنِيبَ فِي تَنْفِيذِهَا لِأَنَّ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ مُعْتَبَرَةٌ. وَكُلُّ مَا صَحَّ من الإمام صح من هذا الْوَزِيرِ، إلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: وِلَايَةُ الْعَهْدِ. فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْهَدَ إلَى مَنْ يَرَى، وليس ذلك للوزير.
والثاني: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعْفِيَ الْأُمَّةَ مِنْ الْإِمَامَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْوَزِيرِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْوَزِيرُ وَلَيْسَ لِلْوَزِيرِ أَنْ يَعْزِلَ مَنْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ وَمَا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَحُكْمُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ يَقْتَضِي جَوَازَ فِعْلِهِ وَصِحَّةِ نُفُوذِهِ مِنْهُ. فَإِنْ عَارَضَهُ الْإِمَامُ فِي رَدِّ مَا أَمْضَاهُ، فَإِنْ كَانَ فِي حُكْمٍ نفذ على وجهه، وفي مَالٍ وُضِعَ فِي حَقِّهِ، لَمْ يَجُزْ نَقْضُ ما نفذ باجتهاده. وإن كَانَ فِي تَقْلِيدِ والٍ، أَوْ تَجْهِيزِ جَيْشٍ، أو تدبير جرب جاز للإمام معارضته فيه بعذل المولى والعدول بالجيش إلى حيث يرى، وتدبيره الْحَرْبِ بِمَا هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يستدرك ذلك من أفعال نفسه، فأولى أن يستدركها من أفعال وزيره. وفارق هذا ما كان من حكم نفذه، أو مال وضعه في حقه، لأنه لما لم يكن لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَدْرِكَ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ نَفْسِهِ فكذلك من أفعال وزيره. فإن قَلَّدَ الْإِمَامُ وَالِيًا عَلَى عَمَلٍ، وَقَلَّدَ الْوَزِيرُ غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ، نُظِرَ فِي أَسْبَقِهِمَا بالتقليد، فإن كان الإمام أسبق تقليداً من الوزير فتقليده أثبت، وَإِنْ كَانَ تَقْلِيدُ الْوَزِيرِ أَسْبَقَ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْلِيدِ الْوَزِيرِ كَانَ في تقليد الإمام عزل للأول واستئناف تقليد للثاني فَصَحَّ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَقْلِيدِ الْوَزِيرِ فَتَقْلِيدُ الوزير أثبت. فتصح ولاية الأول دون ولاية الثَّانِي، لِأَنَّ تَقْلِيدَ الثَّانِي مَعَ الْجَهْلِ بِتَقْلِيدِ الأول لا يكون عزلا، وإنما يكون عزلا لو علم بحالة فيصير بالقول معزولاً، لا بتقليد غيره. فإن كَانَ النَّظَرُ مِمَّا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ صَحَّ تقليدهما وكانا مشتركين في النظر. وإن كَانَ مِمَّا لَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَانَ تَقْلِيدُهُمَا مَوْقُوفًا عَلَى عَزْلِ أَحَدِهِمَا وَإِقْرَارِ الْآخَرِ. فَإِنْ تَوَلَّى ذَلِكَ الْإِمَامُ جَازَ أَنْ يَعْزِلَ أَيَّهُمَا شَاءَ وَيُقِرَّ الْآخَرَ وَإِنْ