والجزية والخراج حقان أوصل الله تعالى الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ. يَجْتَمِعَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ؛ وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. ثُمَّ تَتَفَرَّعُ أَحْكَامُهُمَا. فَأَمَّا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَجْتَمِعَانِ فِيهَا: فَأَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْخُوذٌ عَنْ مُشْرِكٍ صغارا له وذلة. والثاني: أنهما مالا فَيْءٍ يُصْرَفَانِ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّهُمَا يَجِبَانِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ، وَلَا يُسْتَحَقَّانِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا الوجوه الَّتِي يَفْتَرِقَانِ فِيهَا.
فَأَحَدُهَا: أَنَّ الْجِزْيَةَ نَصٌّ، والخراج اجْتِهَادٌ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ، وأكثرها مقدر بالاجتهاد. والخراج أكثره وأقله مُقَدَّرٌ بِالِاجْتِهَادِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مَعَ بقاء الكفر، وتسقط بحدوث الإسلام، والخراج قد يؤخذ مع الكفر والإسلام. فنبدأ بالجزية فنقول: هي مَوْضُوعَةٌ عَلَى الرُّءُوسِ، وَاسْمُهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَزَاءِ، إمَّا جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ صَغَارًا، أو جَزَاءً عَلَى أَمَانِنَا لَهُمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ رِفْقًا. وتؤخذ الجزية ممن له كتاب أو شبهة كتاب.