والأخذ برأيه الذي تلقاه تقليدًا عن رشيد رضا وأحمد أمين وغيرهما من العصريين؛ وهو القدح في أحاديث المهدي والحكم عليها بأنها مصنوعة وموضوعة، وهذا ظاهر من كلامه الذي سُقناه.
الوجه الثالث: أن يقال: إن كلمة الحق وقول الصدق والاعتصام بحبل الله لا يكون في رد الأحاديث الثابتة ونبذها وراء الظهر، وإنما يكون ذلك في مقابلتها بالقبول والتسليم، قال الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}.
الوجه الرابع: إن كلام ابن محمود الذي سُقته ههنا قد تقدم بعضه فيما نقلته من صفحة (6) وصفحة (7) من كتاب ابن محمود، وقد تقدم الجواب عنه فليرجع إليه (?).
الوجه الخامس: أن أقول: قد ذكرت في أول الكتاب (?) عن عدد كثير من العلماء المتقدمين أنهم صححوا بعض أحاديث المهدي؛ ومنهم الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والعقيلي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، والهيثمي. وما علمت عن أحد من العلماء المتقدمين أنه حكم على أحاديث المهدي كلها بالضعف، فضلا عن الحكم عليها بأنها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، وهذه المبالغة في ذم الأحاديث الثابتة في المهدي لم تذكر عن أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين، وإنما هي من اختراع ابن محمود ومجازفته، وسيقف بين يدي حَكَم عدل لا يظلم مثقال ذرة.
فأما المتأخرون من العصريين فلا تستغرب منهم المكابرة في رد الأحاديث الثابتة والحكم عليها بالوضع؛ لأن كثيرًا منهم أهل جراءة على الكلام في الأحاديث والقدح فيها بغير حجة، ولا سيما إذا خالفت أفكارهم أو أفكار من يعظمونه من الغربيين وغير الغربيين، ومن طالع كتبهم وتعاليقهم على الكتب رأى من ذلك الشيء الكثير، ومن زعم أنهم محققون في الحديث فهو لا يعرف التحقيق ولا المحققين.
الوجه السادس: أن يقال: إن العلماء الذين صححوا الصحيح من أحاديث المهدي وضعفوا الضعيف منها هم المحققون على الحقيقة، وقد ذكرت كثيرًا منهم ..............