فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن أقول: إني لا أعلم أحدًا قبل ابن محمود عاب رواية المحدثين بعضهم عن بعض وجعل ذلك من التقليد، وكذلك لا أعلم أحدا قبله عاب نقل بعض العلماء كلام البعض الآخر وجعل ذلك من التقليد، فهذا قول باطل أحدثه ابن محمود وانفرد به، وهو مردود عليه.
الوجه الثاني: أن يُقال: إن بعض العلماء إذا نقلوا الحديث أو القول عن البعض الآخر صححوا الصحيح منه وقبلوه، وزيفوا الزائف منه وروده، ومن كان هكذا فهو مجتهد وليس بمقلد، ومن زعم أنه مقلد فهو يعرف الفرق بين الاجتهاد والتقليد، وأما من ينقل الحديث أو القول وهو لا يعرف الفرق بين الصحيح منه وغير الصحيح بل يقبله على ما فيه فهذا هو المقلد، وليس كل المحدثين والفقهاء في كل عصر من المقلدين كما زعمه ابن محمود، بل منهم المجتهدون ومنهم المقلدون.
وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأكثر المحدثين في زمانهم وقبله وبعده كلهم من المجتهدين كما لا يخفى على من له علم ومعرفة بهم.
الوجه الثالث: أن يقال: إن انتشار أحاديث المهدي في كتب المعاصرين لأبي داود ومن قبلهم ومن بعدهم، مثل انتشار أحاديث الإيمان، والعلم، والأحكام، والفضائل، وتفسير القرآن، والفتن والملاحم، وأشراط الساعة، وما جاء في ذكر القيامة، والجنة والنار، وغير ذلك من الأحاديث المرفوعة والأحاديث الموقوفة التي قد خرجها أهل العلم في كتبهم، وأعني بها كتب المعاصرين لأبي داود ومن قبلهم ومن بعدهم، فكثير من الأحاديث التي أشرنا إليها تُخرَّج بالرواية من كتاب إلى كتب كثيرة، ومن عالم إلى ألوف من العلماء، فإذا كان ابن محمود يرى أن الناس كلهم مقلدة، وأن رواية العلماء بعضهم عن بعضهم من التقليد المذموم، فمعنى هذا إبطال الأحاديث كلها، والقضاء على السنة بالكلية، ولا فرق إذا بين الصحيحين وغيرهما من الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من كتب الحديث، ولا بين أحاديث المهدي وغيرها من الأحاديث.
الوجه الرابع: أن يقال: إن الله -تعالى- قد أقام للسنة المحمدية جهابذة نقادًا، بينوا أحوال الرواة وميزوا الثقات من المجروحين، وبينوا أسماء الوضاعين، وميزوا الأحاديث الصحيحة والحسنة من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والواهية والموضوعة، ونبهوا على ما يقع في بعض الأسانيد والمتون من الأخطاء، ولم يتركوا شيئًا مما يتعلق بالأحاديث ............