وروي أبو داود والحاكم في مستدركه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وفي هذا الحديث والحديثين قبله أبلغ رد على مجازفة ابن محمود.
وأما قوله: كما ذُكر عن الإمام أحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه، ذكروا ذلك في ترجمة ابن سعد، وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلي حتى أثبته في كتابي".
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: أتدري فيمن تتكلم يا ابن محمود؟ أما لك عقل يحجزك عن التهجم على إمامين عظيمين من أئمة المسلمين، قد رفع الله قدرهما عند المسلمين، وجعل كلا منهما إمامًا يقتدي به؟ وأنت تخالف المسلمين فترميهما بالتقليد، وتزعم أنهما ممن ينقل الحديث والقول على علاته، ومن له أدنى عقل وعلم يعلم براءتهما مما رميتهما به، ثم تزعم أيضًا أن الإمام أحمد كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه، وأن الشافعي كان يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إليَّ حتى أثبته في كتابي"، ألا تتثبت يا ابن محمود فيما تكتبه وما تقوله في أئمة المسلمين؟ أما تخشى أن تكون داخلا في عموم قول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}؟
الوجه الثاني: أن يقال: إن الشافعي وأحمد كانا يذمان التقليد وينهيان عنه، فكيف يظن بهما أنهما كانا ممن ينقل الحديث والقول على علاته تقليدًا لمن سبقهما؟ وكيف يظن بأحمد أنه كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه؟ هذا قول ظاهر البطلان.
الوجه الثالث: أن يقال: قد روى الخطيب في "تاريخ بغداد"، عن إبراهيم الحربي، قال: "كان أحمد بن حنبل يوجه في كل جمعة بحنبل بن إسحاق إلى ابن سعد؛ يأخذ منه جزئين من حديث الواقدي، فينظر فيهما إلى الجمعة الأخرى، ثم يردهما ويأخذ غيرهما"، وقد ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" والمزي في "تهذيب الكمال" وابن حجر في "تهذيب التهذيب" هذا ما ذكروه في ترجمة محمد بن سعد، وذكره الخطيب في ترجمة الواقدي، لا ما قاله ابن محمود من الوهم والغلط، وما آفة الأخبار إلا رواتها.
وإنما كان أحمد -رحمه الله تعالى- يأخذ الأجزاء من حديث الواقدي وينظر فيها؛ ....