ذلك يقع المحذور من إثارة الفتنة، بين مصدق به ومكذب، وبين محب ومحارب، فيكون اعتقاده شقاء على العباد طول حياتهم؛ لوقوع الاشتباه فيه دائمًا، مما يتنافى مع الدين الذي جعله الله رحمة للخلق أجمعين، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان داخل في ضمن الإيمان بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أشراط الساعة؛ مثل خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم -عليهما الصلاة والسلام-، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والخسوف الثلاثة، وخروج النار التي تطرد الناس إلى محشرهم، فمن لم يؤمن بهذه الأمور أو بشيء منها فهو ممن يشك في إيمانه بالرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الإيمان بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الغيبية لا يكون شقاء أبدًا ولا يتنافى مع الدين، وإنما الشقاء كل الشقاء في تكذيب ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا هو الذي يتنافى مع الدين على الحقيقة.
الوجه الثالث: أن يقال: قد جاء في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- الذي تقدم ذكره، أنه يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من قريش من أهل المدينة إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام. فدل هذا على أن المهدي الذي يكون في آخر الزمان لا يتقدم بدعوى أنه المهدي ويطلب من الناس أن يبايعوه على ذلك، وإنما يخرجه الناس وهو كاره فيبايعونه، وقد جاء في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن الأرض قبل بيعة المهدي تكون قد امتلأت ظلمًا وعدوانًا، فيملؤها قسطًا وعدلا. وجاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن هذه الأمة تنعم في زمانه نعمة لم ينعموا مثلها؛ ترسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدخر الأرض شيئًا من النبات، والمال كدوس؛ يقوم الرجل يقول يا مهدي أعطني فيقول خذ. ومن كان هذه صفته فهو المهدي على الحقيقة، وبيعته تكون رحمة للناس؛ لأن الله -تعالى- يزيل الاختلاف والزلازل والبلابل والظلم والجور بسببه، ويبدل ذلك بالقسط والعدل والنعمة العظيمة التي ينعم بها المسلمون في زمنه. وهذا بخلاف الذين يدعون لأنفسهم المهدية كذبًا وزورًا، ويقاتلون الناس لطلب الرياسة وتحصيل الأغراض الدنيوية، فهؤلاء هم الذين يثيرون الفتن ويحصل بسببهم الشقاء على العباد.