الذين تكلموا في أحاديث المهدي بغير علم، وزعموا أنها كلمة ضعيفة، بل إنه قد قلد بعض المستشرقين كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى-، وقد زاد عليهم ابن محمود فزعم أنها كلمة مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة ونظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، هكذا جازف في رد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}.
وأما قوله: فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص والجرح والتعديل، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها، لأمور ....... إلى آخر كلامه الذي تقدم ذكره.
فجوابه: أن يقال: أما المحدثون الذين هم علماء هذا الشأن والعارفون بصحيح الأخبار وضعيفها وعللها؛ كالإمام أحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، فإنهم قد خرَّجوا بعض الأحاديث الواردة في المهدي، وصحح الترمذي وابن حبان والحاكم والذهبي وابن القيم والهيثمي عدة طرق منها، وحسن الترمذي طرقًا أخرى منها، وحكم بصحة بعضها غير واحد من أكابر العلماء المحققين؛ ومنهم العقيلي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والذهبي، وكذلك الحافظان؛ زين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني، فإنهما قد حررا "مجمع الزوائد" للهيثمي وأقراه على تصحيح ما صحح من الأحاديث، وتحسين ما حسن منها، ومن المتأخرين ابن حجر الهيتمي، والشوكاني، وصديق بن حسن وغيرهم، ولا أعلم عن أحد من العلماء المتقدمين أنه رد جميع أحاديث المهدي ولم يقبلها، وما نسبه ابن محمود إليهم فهو من مجازفاته وتقوُّله عليهم.
وأما الفريق الآخر، وهم الذين تكلموا في أحاديث المهدي وحكموا بضعفها من غير استثناء شيء منها، فغالبهم من العصريين الذين لا يبالون برد الأحاديث الصحيحة، ولا سيما إذا خالفت أفكارهم أو أفكار من يعظمونه من فلاسفة الغربيين وتلاميذهم، فهؤلاء هم الذين تهجموا على أحاديث المهدي وأخضعوها
للرد والإطراح، ولم يفرقوا بين الصحيح منها والضعيف، وليسوا أهل تحقيق في الحديث