الوجه الثاني: أن يقال: ما صححه الترمذي في جامعه فهو صحيح مقبول عند أهل العلم بالحديث، وسواء في ذلك أحاديث المهدي وغيرها، وكذلك ما حسنه الترمذي من الأحاديث فهو مقبول عند أهل العلم إلا ما ظهرت علته. فأما الحاكم فإنه كان يتساهل في تصحيح بعض الأحاديث، ولكن كان الذهبي يتعقبه في تلخيصه للمستدرك فيضعف ما صححه من الأحاديث الضعيفة، ويوافقه على تصحيح الصحيح منها، وقد وافقه على تصحيح حديثي ابن مسعود وأبي سعيد -رضي الله عنهما- في المهدي. ومحل الذهبي في معرفة صحيح الأحاديث وضعيفها، ونقد الرجال لا يخفى على طالب العلم.
وأما قوله: وفي الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ولا متواترة.
فجوابه: أن يقال: هذا من مجازفات ابن محمود، وما زعمه من الحقيقة فهو خلاف الحقيقة بلا شك؛ لأن أحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف، وهذا القول هو الصحيح المطابق للحقيقة، وقد قرر ذلك غير واحد من العلماء كما سأذكره -إن شاء الله تعالى- وصرح بعضهم أنها متواترة، وقد تقدم إيراد تسعة أحاديث من الصحاح والحسان بأسانيدها الثابتة فلتراجع (?)،ففيها أبلغ رد على الحقيقة التي زعمها ابن محمود، وقد صحح الترمذي منها حديث ابن مسعود وحديث أبي هريرة، وحسَّن حديث أبي سعيد، وصحح ابن حبان والحاكم وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والذهبي حديث ابن مسعود.
وصحح ابن حبان وابن القيم أيضًا حديث أبي هريرة، وصحح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي حديث أبي سعيد، وصححه الحاكم والذهبي أيضًا من وجهين آخرين، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رواه أحمد بأسانيد وأبو يعلي ورجالهما ثقات"، وقد أقرَّه الحافظان؛ زين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني؛ لكونهما قد حررا مجمع الزوائد مع الهيثمي، وقال ابن القيم: "رواه أبو داود، وإسناده جيد"، وقال شمس الحق العظيم آبادي في حديث علي -رضي الله عنه- المرفوع: "سنده حسن قوي"، وقال الهيثمي في حديث آخر عن أبي هريرة: "رجاله ثقات"، وأقره على ذلك زين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني، وصحح الحاكم والذهبي حديث علي الموقوف.