المتقدمين أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدًا لمن سبقه، وهذه مجازفة سيئة جدًا أرسلها قائلها من غير تثبت ولا تعقل.
ومن ذلك زعمه في صفحة (8) أن الإمام أحمد كان يستعير الملازم من طبقات ابن سعد فينقلها ثم يردها إليه، وأن الشافعي كان يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إليَّ حتى أثبته في كتابي"، وهذه مجازفة لا يقولها عاقل ولا يغتر بها إلا جاهل بالشافعي وأحمد -رحمة الله عليهما-.
ومن ذلك قوله في صفحة (8) إن الناس مقلدة وقليل منهم المحققون المجتهدون، والمقلد لا يعد من أهل العلم.
وأقول: قد ذكرت في الجواب عن هذه الجملة أن ابن محمود قد وقع في العيب الذي عاب به المحدثين والفقهاء، وذلك أنه كان ينقل من كلام رشيد رضا ومحمد فريد وجدي وأحمد أمين وغيرهم من العصريين، ويقلدهم فيما قالوه في رد الأحاديث الثابتة في المهدي والقدح فيها بغير مستند صحيح يسوغ به القدح، وقد ذكرت أنه بهذا الفعل قد حكم على نفسه بأنه لا يعد من أهل العلم.
وأقول أيضًا أن الذين خرجوا الأحاديث الثابتة في المهدي كلهم محققون مجتهدون ومنهم؛ الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والحارث بن أبي أسامة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم من المحدثين، وكذلك الذين حكموا للصحاح من أحاديث المهدي بالصحة وللحسان منها بالحسن كلهم محققون مجتهدون ومنهم؛ الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، والعقيلي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وزين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني، ونور الدين الهيثمي، وغيرهم من أكابر العلماء، وكذلك الذين قالوا بتواتر أحاديث المهدي كلهم محققون مجتهدون ومنهم؛ أبو الحسين الآبري والذين نقلوا كلامه وأقروه، ومنهم أبو عبد الله القرطبي، وأبو الحجاج المزي، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم من المتأخرين، فهل يقول ابن محمود إن هؤلاء الذين ذكرنا أسماءهم كلهم مقلدون، وأن رشيد رضا ومحمد فريد وجدي وأحمد أمين وأمثالهم من العصريين الذي أنكروا أحاديث المهدي وحكموا بأنها موضوعة هم المحققون المجتهدون؟ لا يستبعد منه أن يقول بهذا القول الباطل، بل هذا هو الظاهر من كلامه، ويدل على ذلك أربعة أمور؛ أحدها: أنه قد عاب على الشافعي وأحمد وقال فيهما ما قال مما تقدم ذكره، ........