الوجه الثاني: أن يقال: في أول كلام ابن محمود لحن في قوله: إن هناك جبلان متقابلان متصلان بمشارق الأرض ومغاربها، وصوابه: جبلين متقابلين متصلين.

الوجه الثالث: أن يقال: إن في هذا الكلام من التخرص واتباع الظن ما لا يخفى على عاقل، وهل يقول عاقل إن في الأرض جبلين متقابلين متصلين بمشارق الأرض ومغاربها؟ وهل يقول عاقل إن أوربا وأمريكا وآسيا سوى جزيرة العرب قد أحيطت بجبلين متقابلين متصلين بمشارق الأرض ومغاربها؟ كلا، لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل، وأين يكون موضع الفجوة التي جعل ذو القرنين فيها السد المانع للأمريكيين والأوربيين ودول آسيا من الخروج والاتصال بالعرب، وإن تعجب فهذا التوهم والتخرص من أعجب العجب، ومع هذا يزعم ابن محمود أنه نور هداية ودلالة، وهو في الحقيقة ظلمة حالكة وضلال عن الحق، ولو كان يأجوج ومأجوج قد خرجوا على الناس من جميع النواحي والجبال والبحار لكانوا قد وطئوا بلاد العرب وغيرها من البلاد، وأهلكوا كل شيء أتوا عليه، وشربوا كل ماء مروا عليه، ولكان الدجال قد خرج قبل ذلك، ونزل عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- فقتل الدجال ودعا على يأجوج ومأجوج فهلكوا جميعًا، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- في عدة أحاديث تقدم ذكرها قريبًا، وحيث أنه لم يقع شيء من هذه الأمور العظام فلا شك أن السد لا يزال باقيًا على حاله، وأن يأجوج ومأجوج لم يزالوا من وراء السد ولم يخرجوا على الناس، ولا يخرجون حتى ينزل عيسى ابن مريم ويقتل الدجال.

الوجه الرابع: أن يقال: إن الجبلين اللذين بنى ذو القرنين الردم بينهما هما في بلاد يأجوج ومأجوج الواقعة في أقصى المشرق من ناحية الشمال، وليسا متصلين بمشارق الأرض ومغاربها كما قد توهم ذلك ابن سعدي وابن محمود، وقد تقدم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "الجبلان؛ أرمينية، وأذربيجان"، وكذا قال القرطبي في تفسيره إن السدين جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان، وقال الضحاك في قوله -تعالى-: {بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}: "يعني الجبلين، وهما من قبل أرمينية وأذربيجان"، هذا ما قاله هؤلاء الأئمة في السدين؛ أي الجبلين اللذين بنى ذو القرنين الردم بينهما، ولا أعلم عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من أهل العلم أنهم قالوا في الجبلين الذين بنى ذو القرنين الردم بينهما أنهما واصلان لمشارق الأرض ومغاربها، ...............................................

طور بواسطة نورين ميديا © 2015