رجوع ابن سعدي عن قوله في يأجوج ومأجوج ظاهر مما قرره في تفسيره

وأوطانهم؛ لأن القتال بين المسلمين وبين أمم الكفار لم يزل منذ زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يزال كذلك إلى أن ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال، ويقاتل الناس على الإسلام، ولو كان الأمر على ما توهمه المتكلفون لكانت الحرب قد وضعت أوزارها منذ وجدت أمم الكفار في مشارق الأرض ومغاربها، وهذا ظاهر البطلان.

الوجه التاسع: أن يقال: ما قرره الشيخ ابن سعدي في رسالته من أن يأجوج ومأجوج ما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم فهو مخالف لما قرره في تفسيره لسورة الأنبياء، فقد قرر فيها أن يأجوج ومأجوج إنما يخرجون في آخر الزمان، قال في الكلام على قول الله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} الآية، ما نصه: "هذا تحذير من الله للناس أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان ينفتح السد عليهم فيخرجون إلى الناس، وفي هذه الحالة والوصف الذي ذكره الله، من كل مكان مرتفع وهو الحدب ينسلون أي يسرعون، في هذا دلالة على كثرتهم الباهرة وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم". انتهى، وهذا صريح في رجوعه عما كان يقوله في يأجوج ومأجوج إنهم أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، وقال في تفسير سورة الكهف في الكلام على قول الله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}: "قال المفسرون ذهب متوجهًا من المشرق قاصدًا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين؛ وهما سدان كانا معروفين في ذلك الزمان، سدان من سلاسل الجبال المتصلة يمنة ويسرة حتى تتصل بالبحار، بين يأجوج ومأجوج وبين الناس وجد من دون السدين قومًا لا يكادون يفقهون قولا؛ لعجمة ألسنتهم واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم وراجعوه، فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج وهما أمتان عظيمتان من بني آدم، فقالوا: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك، {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} أي جعلا، {عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}، ودل ذلك على عدم اقتدارهم .............

طور بواسطة نورين ميديا © 2015