كانوا موجودين في جميع الجهات شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالا، وعن أيمان المسلمين وعن شمائلهم ومن خلفهم من قبل أن يوجد السد وبعد أن وجد، ولم يزالوا كذلك على ممر الأزمان، ومع هذا فلم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال إنهم هم يأجوج ومأجوج، ولم يؤثر ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم ولا من بعدهم من العلماء، حتى جاء المتكلفون في آخر القرن الرابع عشر من الهجرة فزعموا أن يأجوج ومأجوج ما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم، فهل يقول مسلم عاقل إن المتكلفين أعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - بيأجوج ومأجوج، أو يقول من له أدنى عقل ودين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ومن بعدهم إلى آخر القرن الرابع عشر من الهجرة كانوا في غمرة من الجهل ساهون، حتى طلع عليهم نور الهداية والدلالة من أحد المتكلفين القائلين في حقيقة يأجوج ومأجوج بغير علم؟ كلا، لا يقول هذا مسلم عاقل.

الوجه الرابع: أن يقال: إن خروج يأجوج ومأجوج إنما يكون بعد نزول عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- وقتله الدجال، كما جاء ذلك صريحًا في الأحاديث التي تقدم ذكرها قريبًا عن النواس بن سمعان، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهم- فلتراجع (?)، ففيها أبلغ رد على من زعم أن يأجوج ومأجوج ما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم.

الوجه الخامس: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر في حديث النواس بن سمعان الذي تقدم ذكره قريبًا أن يأجوج ومأجوج إذا بعثوا يمر أولهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، وجاء في حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما- نحو ذلك، وجاء في حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أن يأجوج ومأجوج إذا خرجوا يطئون البلاد فلا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمروه على ماء إلا شربوه، وفي هذا أبلغ رد على من زعم أن يأجوج ومأجوج ما هم إلا أمم الكفار على اختلاف أجناسهم وأوطانهم؛ لأن الذين قد ملئوا الأرض شرقًا وغربًا من أمم الكفار لم يقع منهم شيء مما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج، فلم يهلكوا ما أتوا عليه، ولم ينقصوا ما عندهم من المياه، فضلا عن أن يشربوا بحيرة طبرية وينشفوها، مع أن بعضهم كانوا مجاورين لها أزمانًا طويلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015