أعظم من خروج المهدي، فهل يصدق بوقوعها أم يسلك فيها مسلكه في أحاديث المهدي؟ إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فمن شاء أقامه ومن شاء أزاغه، والله المسئول أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب.
وهذا آخر ما تيسر إيراده فيما يتعلق بالمهدي، وبقي الكلام في يأجوج ومأجوج وسد ذي القرنين، وقبل إيراد كلام ابن محمود في ذلك والرد عليه، أذكر ما وقفت عليه من تخرصات العصريين في يأجوج ومأجوج وسد ذي القرنين.
فمنهم من ينكر وجود السد، ومستندهم في ذلك ما يزعمه بعض الناس أن السائحين من دول الكفر قد اكتشفوا الأرض كلها فلم يروا سد ذي القرنين، وهذا في الحقيقة تكذيب بما أخبر الله به في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - عن السد، والتكذيب بما أخبر الله به في كتابه كفر وظلم، قال الله -تعالى-: {وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ}، وقال -تعالى-: {وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ}، والتكذيب بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كفر أيضًا؛ لأن تكذيبه ينافي الشهادة بالرسالة، ويلزم عليه تكذيب قول الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله» وفي هذا الحديث دليل على وجوب الإيمان بكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنباء الغيب، ما مضى منها وما سيكون قبل قيام الساعة وبعد قيامها، ومن ذلك اندكاك السد في آخر الزمان، وخروج يأجوج ومأجوج على الناس، ومن لم يؤمن بهذا فهو داخل في حكم هذا الحديث الصحيح، والله أعلم.
قال القاضي عياض في كتابه "الشفاء": " اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده، أو حرفًا منه، أو آية، أو كذب به، أو بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه أو نفي ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله -تعالى-: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} " انتهى.