زعمه الذي هو بعيد كل البعد عن الصحة؛ وذلك بأن يخرج لنا من أسانيد هذه الأحاديث الثابتة رجلا من الغلاة الزنادقة، ولن يجد إلى ذلك سبيلا.
وأما الأحاديث التي في أسانيدها مقال، فمنها ما تؤيده الأحاديث الصحيحة وتشهد له. وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- جملة منها في كتابه "المنار المنيف"، ومثل هذه الأحاديث يقتصر فيها على القول بأنها ضعيفة، ولا يقال إنها موضوعة، وإنما يقطع بالوضع فيما يكون في إسناده وضَّاع معروف بالوضع.
الوجه الثاني: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناس دماء رجال وأموالهم». رواه البخاري ومسلم، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- وهذا لفظ مسلم، ورواه البيهقي في سننه وزاد: «ولكن البينة على المدعي»، قال النووي: "إسناده حسن أو صحيح".
وإني أطالب ابن محمود بإقامة البينة على ما ادَّعاه من وضع الأحاديث الثابتة في المهدي؛ وذلك بأن ينقل نقلاً ثابتًا عن المصنفين في الموضوعات أنهم ذكروا منها أحاديث علي، وابن مسعود، وأبي سعيد، وأبي هريرة، وأم سلمة، وجابر -رضي الله عنهم- في المهدي، وهي التي تقدم ذكرها في أول الكتاب، وأن يذكر الكتاب الذي ذكر فيه ذلك، والصفحات التي ذكر فيها ذلك، ولن يجد إلى ذلك سبيلا البتة، وكذلك لا يجد سبيلا إلى الحكم بالوضع على كثير من الأحاديث الضعيفة التي رواها أبو داود وابن ماجة وغيرهما في المهدي؛ لأنه ليس في شيء من أسانيدها وضاع ولا كذاب ولا من أجمع العلماء على تركه، وإنما الأمر فيها كما تقدم في الوجه الأول أنه يقتصر على القول بأنها ضعيفة، ولا يتجاوز ذلك إلى الحكم عليها بالوضع.
الوجه الثالث: أن يقال: إن ابن محمود قد سلك مسلك بعض الذين لا يبالون برد الأحاديث الثابتة إذا كانت مخالفة لنظرياتهم وأفكارهم الخاطئة، ويتسرعون بالحكم عليها بالوضع بدون مسند صحيح يعتمدون عليه، وإنما يعمدون على المجازفات والتخرصات والتوهمات التي هي من وحي الشيطان وتضليله، وقد قلَّدهم ابن محمود في زعمهم أن جميع الأحاديث الواردة في المهدي من وضع الغلاة الزنادقة وصياغتهم، وقد ذكر عنه في أول الكتاب أنه قال إن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة القدماء، وإن أصل من تبني هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة، وإن عبد الله بن سبأ أخذ هو وشيعته يعملون عملهم في ......