وقال ابن محمود في صفحة (42) وصفحة (43): "الحديث الثاني: روى أبو داود في سننه عن طريق أبي نعيم، عن علي -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا مِنَّا يملؤها عدلا كما ملئت جورًا»، ورواه الإمام أحمد عن طريق أبي نعيم، ورواه الترمذي، ثم أجاب ابن محمود بقوله إن هذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة، وهي ليست بصريحة في الدلالة على المعنى الذي ذكروه، إذ ليس فيها ذكر للمهدي، وعلى فرض صحته فإنه لا مانع من جعل الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من جملة المسلمين، الذين مضوا وانقضوا واستقام عليها أمر الدنيا والدين وجماعة المسلمين، فقوله مِنَّا يحتمل أن يكون من أهل ديننا وملتنا، على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا يحتمل أن يكون من المحال، فقد خلق الله الدنيا وخلق فيها المسلم والكافر والبر والفاجر، كما قال -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} لكون الدنيا دار ابتلاء وامتحان، والمصارعة لا تزال قائمة بين الحق والباطل وبين المسلمين والكفار، وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما أنتم في الأمم المكذبة للرسل إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود»، وعلى كل حال فإنه ليس في الحديث التصريح باسم المهدي ولا زمانه ولا مكانه ولا الإيمان به، ولا يمتنع كونه من جملة الخلفاء السابقين الذين استقام بهم الدين وبسطوا العدل في مشارق الأرض ومغاربها بين المسلمين وبين من يعيش معهم من المخالفين لهم في الدين، وهذا الحديث هو من جملة الأحاديث التي يزعمونها صحيحة وليست بصريحة".
والجواب: أن يقال: إن ابن محمود قد ذكر متن حديث علي -رضي الله عنه- وزعم أن ذلك رواية أبي داود، وكان غاية تحقيقه له أن أبدل رواية أبي داود برواية الإمام أحمد ونسبها لأبي داود وزاد فيها حرفًا من عنده وهو قوله "واحد"، وزعم أن الترمذي رواه وهو لم يروه، وإنما أشار إليه بعد روايته لحديث ابن ....................................