آخر الزمان، وزعم أنها كلها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، ولم يبال بمعارضة أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاستخفاف بها، ولا بالتقول على العلماء، وأعني بذلك ابن محمود، هدانا الله وإياه، وأعاذنا جميعًا من نزغات الشيطان.
وأقول أيضًا: إني لا أعلم عن أحد من العلماء أنه سبق ابن خلدون إلى التوسع في تضعيف أحاديث المهدي بحيث لم يستثن منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه، وكذلك العلماء الذين كانوا بعد ابن خلدون لا أعلم عن أحد منهم أنه توسع في تضعيف أحاديث المهدي كما فعل ذلك ابن خلدون، حتى جاء تلاميذ جمال الدين الأفغاني وبعض تلاميذهم، فتهجموا على بعض الأحاديث الثابتة ولا سيما أحاديث أشراط الساعة، ومنها الأحاديث الدالة على خروج المهدي في آخر الزمان، فإنهم قد قابلوها بالتضعيف والرد والإطراح، وقد سار ابن محمود على طريقتهم السيئة، وبالغ في رد أحاديث المهدي، وجازف في ذمها غاية المجازفة، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}.
وقال ابن محمود في صفحة (36): "وقد كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي، وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والإشكالات، مما يجعل الأمر جليًا للعيان ولا يخفى إلا على ضَعَفَة الأفهام".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الله تعالى قد عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وقد جاء في ذلك عدة أحاديث مرفوعة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الضلالة إنكار خروج المهدي في آخر الزمان، ومعارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، والمجازفة في وصفها بالصفات القبيحة، كقول ابن محمود إنها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وإنها أحاديث خرافة، وإنها نظرية خرافية، وإنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة.