وقد صحَّح الترمذي وابن حبان كثيرًا من أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وتصحيحهما مقبول عند أهل العلم، وكذلك ما صححه الحاكم ووافقه الذهبي على تصحيحه وهو كثير جدًا، وكذلك نور الدين الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد"؛ فإنه قد صحح الصحيح مما ذكره في كتابه من أحاديث الفتن وأشراط الساعة، وبيَّن أحوال الأسانيد الضعيفة لئلا يُغتر بها، وكلامه في ذلك مقبول عند أهل العلم، وقد حرره معه الحافظان؛ زين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني، وهما من أكبر نقاد الحديث.
الوجه الثاني: أن يقال: إن الأئمة المحققين الذين يعتد بأقوالهم في التصحيح والتضعيف قد تكلموا في أحاديث الفتن وأشراط الساعة كما قد تكلموا في أحاديث الأحكام، وميزوا الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة من الأحاديث الضعيفة والأحاديث المنكرة والموضوعة، وأفردوا الأحاديث الموضوعة بالمصنفات الكثيرة، فمن زعم أن نقاد الحديث لم يتعرضوا لأحاديث الفتن وأشراط الساعة بالتصحيح والتمحيص فقد قال خلاف الواقع.
الوجه الثالث: أن أقول: قد ذكرت في أول الكتاب ما صححه نقاد الحديث من الأحاديث الواردة في المهدي فليراجع، ففيه أبلغ رد على قول ابن محمود إنهم لم يتعرضوا لها بتصحيح ولا تمحيص، وعلى قوله إنها مبنية على التساهل.
وأما قوله: وليست بالشيء الواقع في زمانهم.
فجوابه: أن يقال: إن الإيمان بأنباء الغيب ليس مقصورًا على الأشياء التي تقع في زمان الإنسان، بل يجب الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة من أنباء الغيب، ما كان من ذلك فيما مضى من الزمان وما سيكون من ذلك في المستقبل، ومنه أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة، وما يكون بعد قيام الساعة من الأمور العظام، وما يكون بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ومن آمن بما يقع في زمانه ولم يؤمن بما وقع في الماضي أو بما سيقع في المستقبل فلا شك أنه داخل في عموم قول الله -تعالى-: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} الآية.