والمسلمين، والمهدي في مبدأ دعوته هو واحد وليس باثنين، فلم يقل أحد إنهما مهديان، وإنما هو مهدي واحد، تنازعته أفكار الشيعة وأفكار بعض أهل السنة، فكل لوم أو ذم ينحي به على الشيعة لإيمانهم بإمامهم محمد بن الحسن الذي هو في سرداب، فإنه ينطبق بطريق التطابق والموافقة على أهل السنة الذين يصدقون بالمهدي المجهول في عالم الغيب، فهما في فساد الاعتقاد به سيان، فبيت الشعر للسفاريني على الحالتين غير صواب ولا صحيح، والسفاريني -رحمه الله- هو أقوى من ثبت دعائم عقيدة المهدي في قلوب المسلمين".
والجواب عن أول كلامه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: من زعم أن السفاريني قد غلط حيث أدخل الإيمان بالمهدي في عقيدته فهو الغالط في الحقيقة؛ لأن السفاريني -رحمه الله تعالى- لم يعتمد على أقوال الناس ونظرياتهم وتفكيراتهم كما قد فعل ذلك المنكرون للمهدي، وإنما اعتمد على ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ومن اعتمد على الأحاديث الصحيحة فالحجة معه.
الوجه الثاني: أن يقال: إن أقوال الناس ونظرياتهم وتفكيراتهم ليست ميزانًا للأحاديث كما قد يفعل ذلك بعض الناس، وإنما الميزان العدل كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فبهما توزن أقوال الناس ونظرياتهم وتفكيراتهم، فما وافقهما فهو حق، وما خالفهما فهو باطل مردود على قائله كائنًا من كان. وإذا عرضنا أقوال المنكرين للمهدي على الكتاب والسنة وجدناها مخالفة لقول الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، ومخالفة للأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، وما كان كذلك فحقه أن يضرب به عُرض الحائط ولا يلتفت إليه، وإذا عرضنا قول السفاريني في المهدي على السنة وجدناه مطابقًا لها؛ لأنه مأخوذ مما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما ثبت بالسنة فهو موافق للقرآن؛ لقول الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، وقوله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}، وقوله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.
وأما قول السفاريني في صفة المهدي إنه الخاتم ففيه نظر، إذ لا دليل يدل على ذلك،