فجوابه: أن يقال: أما الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان والإنكار على من أنكر ذلك فذلك من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر بخروج المهدي في آخر الزمان، فوجب تصديق خبره.
وأما إنكار وجود المهدي بتاتًا، والطعن في صحة الأحاديث الواردة فيه، والقول بأنها مصنوعة ومكذوبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذلك من المجازفة والقول بغير علم، وقد قال الله -تعالى-: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}، وقال -تعالى-: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}.
وأما قوله: ولم تزل المناظرة والمجادلة واقعة قائمة بين الفريقين.
فجوابه: أن يقال: إن الأحاديث في خروج المهدي قد رواها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدد من الصحابة -رضي الله عنهم-، واشتهر ذكره في زمن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكن بين الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم مناظرة ولا مجادلة فيه، وهكذا كان الأمر عند أهل السنة والجماعة، فليس في خروج المهدي في آخر الزمان خلاف عندهم، سوى نفر قليل زعموا أن المهدي عيسى ابن مريم، واعتمدوا على الحديث الذي جاء فيه ذلك، وهو حديث ضعيف جدًا لا يعتمد على مثله، ومنهم من قال إنه المهدي العباسي، وليس على هذا القول دليل صحيح يعتمد عليه. ثم جاء ابن خلدون فتوسع في تضعيف أحاديث المهدي، حتى ضعف بعض الصحاح والحسان منها، وخالف من كان قبله من أكابر الأئمة، الذين صححوا بعضها وحسنوا بعضها. ثم جاء رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، ومن على شاكلتهم من العصريين في القرن الرابع عشر من الهجرة، فطعنوا في أحاديث المهدي، وزادت الجراءة على بعضهم فزعموا أن أحاديث المهدي كلها موضوعة، فأخطئوا فيما زعموا وكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه. وقد قلدهم ابن محمود وتلقى أقوالهم الباطلة بالقبول والتسليم، وتوسع في المجازفة حتى خرج عن حد المعقول إلى غير المعقول، فزعم أن الأحاديث الواردة في المهدي كلها مختلقة ومكذوبة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، وأن انتظار خروج المهدي من الركون إلى الخيال والمحالات، والاستسلام للأوهام والخرافات. وجوابنا عن هذه ..................................