يعود عليه؛ لأنه قد انتقشت له فكرة المنكرين لخروج المهدي من العصريين؛ مثل رشيد رضا، وأحمد أمين، وأمثالهما ممن زعم أن فكرة المهدي نبعت من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها، وأنهم وضعوا الأحاديث في ذلك يروونها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحكموا أسانيدها، فقابل ابن محمود هذه الفكرة العصرية بالرضى والتسليم، ورد لأجلها الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خروج المهدي، ولم يستند في إنكار خروجه إلى نص صحيح، وإنما اعتمد على مجرد الفكرة التي نقشها له من ذكرناهم من العصريين، وقد تقدم بيان ذلك في أول الكتاب مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (3)، وأن أصل من تبني هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة، فليراجع ذلك (?).
الوجه الخامس: أن يقال: إن المهدي الذي أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخرج إلى الآن، ولا يعلم وقت خروجه على التعيين إلا الله -تعالى-، وإذا كان المهدي المبشر به لم يخرج إلى الآن، فكيف يقال: إن له دعاة من الملاحدة والمفسدين يتبعهم أهل العقول الفاسدة؟! هذا مما يعلم بطلانه بالضرورة، فأما الذين ادعوا المهدية كذبًا وزورًا في قديم الزمان وحديثه فلا يصح أن يطلق على أحد منهم اسم المهدي، وإنما يقال: المدعي للمهدية، أو المتسمي بالمهدي، وما أشبه ذلك مما ينفي عنه اسم المهدي الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه في آخر الزمان.
وقال ابن محمود في صفحة (27): "ولقد قام علماء الأمصار بجد ونشاط إلى تحذير قومهم من اعتقاد المهدي وصحة خروجه، فواصلوا قولهم ونصحهم، بعملهم بكتابة الرسائل في الجرائد والمجلات والنشرات، يبينون لهم فسادها وسوء عواقب اعتقادها، حتى خفَّ أثرها في نفوسهم، وحتى زال اعتقادها عن علمائهم وعامتهم، على نسبة عكسية من فعل علمائنا، فإنهم -رحمهم الله- يسيرون في طريق مخالف، ويصدعون على رؤوس الناس بصحة اعتقادها، وينكرون على من أنكرها، ويحجرون رأي الجمهور على اعتقاد ما تربوا عليه في صغرهم، وما تلقوه عن آبائهم ومشايخهم، إنهم لو رجعوا إلى التحقيق المعتبر لأحاديث المهدي المنتظر من كتابنا هذا وقابلوا بعضها ببعض، لظهر لهم بطريق اليقين أنها ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة، لا باللفظ ولا بالمعنى".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: لا يخفى ما في كلام ابن محمود ......