أحق وأتقى وأقرب للتقوى".
ثم نقض ابن محمود كلامه؛ حيث وصف العلماء المتقدمين بالتغفيل، فزعم أنهم يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم، ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مؤمن بالله، قال: "ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة، حتى بلغت خمسين حديثًا في قول الشوكاني، والسبب أن من عادة علماء السنة المتقدمين عمل التساهل فيما يرد من أحاديث أشراط الساعة؛ كأحاديث المهدي، والدجال، ويأجوج ومأجوج، وما كان من قبيل ذلك فلا يتكلفون في نقدها، ولا إخضاعها للتصحيح ولا التمحيص، لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن العلماء المتقدمين كما وصفهم ابن محمود في أول كلامه بأنهم قد جمعوا بين العلم والعمل، وأنهم أحق وأتقى وأقرب للتقوى من المتأخرين، وأن الفرق بينهم وبين المتأخرين واسع، فلا مداناة فضلا عن المساواة، ولو أن ابن محمود ثبت على هذا القول لكان على الصواب، ولكنه قد قال فيهم بخلاف ذلك في صفحة (8)؛ حيث زعم أن من عادتهم أن بعضهم ينقل عن بعض الحديث والقول على علاته تقليدًا لمن سبقه، وقال في صفحة (5): وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضا، وقليل منه المحققون، فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث - يعني أحاديث المهدي- للتصحيح والتمحيص والجرح والتعديل، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها، ففي هذا الموضع فضل العصريين على العلماء المتقدمين، وزعم أن العلماء المتقدمين مقلدة، وزعم أن العصريين المتهجمين على أحاديث المهدي هم المحققون؛ لأنهم أخضعوا أحاديث المهدي لتصحيحهم وتمحيصهم، وردوها ولم يقبلوها. فكلام ابن محمود ينقض بعضه بعضًا، فهو كما قال الشاعر:
يومًا يمان إذا ما جئت ذا يمن ... وإن أتيت معديًا فعدناني
وقد تقدم الجواب عما ذكره في صفحة (5) وصفحة (8) في أول الكتاب وفي أثنائه فليراجع (?).
وأما قوله في العلماء المتقدمين: إنه يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم، ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مؤمن بالله، فهذا مردود عليه. وكذلك قوله: إن من عادة علماء السنة المتقدمين عمل التساهل فيما يرد من ..................................