وقد ذكر ابن خلدون في تاريخه قصة القرامطة مختصرة مما ذكره ابن الأثير وثابت بن سنان وابن العديم.
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "ولما رجع القرمطي إلى بلاده ومعه الحجر الأسود، تبعه أمير مكة هو وأهل بيته وجنده، وسأله وتشفع إليه أن يرد الحجر الأسود ليوضع في مكانه، وبذل له جميع ما عنده من الأموال فلم يلتفت إليه، فقاتله أمير مكة فقتله القرمطي وقتل أكثر أهل بيته وأهل مكة وجنده، واستمر ذاهبًا إلى بلاده ومعه الحجر وأموال الحجيج" انتهى.
وفيما ذكره ابن كثير من ذهاب القرمطي إلى بلاده بأموال الحجيج، وما ذكره ابن الأثير وثابت بن سنان وابن العديم أن المهدي عبيد الله كتب إلى القرمطي يأمره برد الأموال على أهل مكة وعلى الحجاج، وأن القرمطي استعاد ما أمكنه من الأموال إلى أهل مكة، واعتذر عن أموال الحجاج بأن الناس اقتسموها، وأنه لا يقدر على ردها منهم، ففي هذا رد على من زعم أن قبيلة هذيل اعترضت القرمطي في المضايق والجبال فأخذت بعض ما غنمه، وأنه استطاع أن يهرب بعد ما فقد كثيرًا من غنائمه، والظاهر أن هذا لم يقع، ولو وقع لذكره العلماء الذين تقدم ذكرهم.
ومن تأمل ما ذكره المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" عن القرامطة، رأى فيه من الخلل ما يدل على قلة الاعتناء بتحرير ما فيه من النقول، فمِن ذلك أنه ذكر أن القرمطي دخل مكة يوم الاثنين لسبع خَلَونَ من ذي الحجة، ثم رحل عنها يوم السبت لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، وكان مقامهم بمكة ثمانية أيام، ولا يخفى ما في هذا الكلام من التخليط، فإنه إذا كان اليوم السابع يوم الاثنين، فإن يوم السبت يكون اليوم الثاني عشر، ويكون مقامهم بمكة ستة أيام.
ومن ذلك قوله: وكانت ثقلته على نحو مائة ألف بعير، عليها أصناف المال والأمتعة. ولا يخفى ما في هذا الكلام من المجازفة، وقد ذكر في أول كلامه أن القرمطي دخل مكة في ستمائة فارس وتسعمائة راجل، وذكر ابن العماد في "شذرات الذهب" أنه كان مع القرمطي تسعمائة نفس، وإذا كانوا بهذا العدد القليل فإنه يبعد كل البعد أن يكون ثقلهم على نحو مائة ألف بعير، ولو كان هذا القول صحيحًا لذكره أكابر المؤرخين؛ كابن الجوزي، وابن الأثير، وابن كثير، وغيرهم ممن يعتني بنقل الوقائع، والمقصود هنا التنبيه على أنه ينبغي التأمل والنظر في نقول المسعودي؛ لأن الخلل ظاهر فيها.