يعول عليه، وأخذ الناس السيف وعاذوا بالمسجد والبيت، فاستحر القتل فيهم وعمَّهم". انتهى، ولعل ابن محمود وهم أن قول المسعودي أن من كان بمكة من الأولياء وغيرهم من عوام الناس من الحجاج وغيرهم صافَوه، أن ذلك بتخفيف الفاء وفتحها من المصفاة أي إظهار المودة للقرمطي من باب المخادعة، ولهذا أبدل ابن محمود لفظة "صافوه" بالمخادنة. وإنما معنى قوله "صافُّوه" بتشديد الفاء وضمها من المُصافَّة للقتال وهذا ظاهر من قول المسعودي: ثم انكشفوا من بين يديه، وأخذ الناس السيف ... إلى آخر كلامه.
وأما قوله: فاحتكوا برجال الأمن.
فجوابه: أن يقال: إن تسمية الذين يضبطون البلاد- كالشرط ونحوهم من أولياء السلطان- برجال الأمن لم يكن معروفًا فيما مضى، وإنما هو مستحدث في القرن الرابع عشر من الهجرة، وكان الناس فيما مضى يسمون الذين يضبطون البلاد شِحنة، قال الأزهري: "شِحنة الكورة؛ من فيهم الكفاية لضبطها من أولياء السلطان"، نقله عنه ابن منظور في لسان العرب. وقال في القاموس: "الشِحنة في البلد؛ من فيه الكفاية لضبطها من جهة السلطان".
ومنها قوله: نقلا عن المسعودي: أن القرمطي قتل من الحجاج وأهل مكة نحو ثلاثين ألفًا.
وأقول: إن المسعودي لم يجزم بهذا القول، بل ذكره وتعقبه، وهذا نص كلامه في كتابه "التنبيه والإشراف" قال: "وقد تُنُوزع في عدة من قُتل من الناس من أهل البلد وغيرهم من سائر الأمصار فمكثر ومقل، فمنهم من يقول ثلاثين ألفا، ومنهم من يقول دون ذلك وأكثر، وكل ذلك ظن وحسبان، إذ كان لا يضبط". انتهى، وقد ذكر ابن العماد في "شذرات الذهب": "إن القرمطي كان معه تسعمائة نفس، فقتلوا في المسجد ألفًا وسبعمائة نسمة، وقيل إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها ثلاثين ألفًا، وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك، وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد". انتهى.
ومنها قوله: واعترضت له قبيلة هذيل في المضائق والجبال، فأخذت منه بعض ما غنمه، لكنه استطاع أن يهرب بعدما فقد كثيرًا من غنائمه.
وأقول: لم أر أحدًا من العلماء الموثوق بهم في النقل ذكر هذا، وإنما ذكره المسعودي في كتابه "التنبيه والإشراف" وهو محتمل، ولكن ذكر ابن الأثير في ..........................