قال أبو فارس: وكان أمير المسلمين أبو يوسف سار إلى مدينة سلا، فبويع بها ولده أبو يعقوب، وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام أحد وسبعين وستمائة، يوم مولد النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأنشدته يوم بيعته هذه القصيدة ورفعتها إليه:

[الكامل]

يا ظبية الوعساء، قد برح الخفا ... إنّي صبرت على غرامك ما كفى

كم قد عصيت على هواك عواذلي ... وأناب بالتّبعيد منك وبالجفا

حمّلتني ما لا أطيق من الهوى ... وسقيتني من غنج لحظك قرقفا «1»

وكسوتني ثوب النحول فمنظري ... للناظرين عن البيان قد اختفى

هذا قتيلك فارحميه فإنه ... قد صار من فرط النحول على شفا

لهفي على زمن تقضّى بالحمى ... وعلى محلّ بالأجيرع قد عفا

أترى يعود الشّمل كيف عهدته ... ويصير بعد فراقه متألّقا؟

لله درّك يا سلا من بلدة ... من لم يعاين مثل حسنك ما اشتفا

قد حزت برّا ثم بحرا طاميا ... وبذاك زدت ملاحة وتزخرفا

فإذا رأيت بها القطائع خلتها ... طيرا يحوم على الورود مرفرفا

والجاذفين على الرّكيم كأنهم ... قوم قد اتخذوا إماما مسرفا

جعل الصّلاة لهم ركوعا كلها ... وأتى ليشرع في السجود مخفّفا

والموج يأتي كالجبال عبابه ... فتظنّه فوق المنازل مشرفا

حتى إذا ما الموج أبصر حدّه ... غضّ العنان عن السّرى وتوقّفا

فكأنّه جيش تعاظم كثرة ... قد جاء مزدحما يبايع يوسفا

ملك به ترضى الخلافة والعلا ... وبه تجدّد في الرّئاسة ما عفا

من لم يزل يسبي الفوارس في الوغى ... إن سلّ في يوم الكريهة مرهفا

ألفت محبّته القلوب لأنه ... ملك لنا بالجود أضحى متحفا

ألقى إليه الأمر والده الذي ... عن كل خطب في الورى ما استنكفا

يعقوب الملك الهمام المجتبى ... الماجد الأوفى الرحيم الأرأفا

يهواه من دون البنين كأنما ... يعقوب يعقوب ويوسف يوسفا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015