الدّيوان بألمريّة، ورأى خلال ذلك، في نومه، شخصا يوقظه، ويقول له: قم يا صاحب ربع الدّنيا، وقصّ رؤياه على صاحب له بمثواه، فبشّره، فطلب من ذلك الحين السّموّ بنفسه، فأجاز البحر، وتعلّق بحاشية الحرّة العليا زينب «1» ، فاستكتبته، فلمّا توفّيت الحرّة، أقرّه أمير المسلمين كاتبا، فنال ما شاء مما ترتمي إليه الهمم جاها ومالا وشهرة. وكان رجلا حصيفا، سكونا، عاقلا، مجدي الجاه، حسن الوساطة، شهير المكانة.
وفاته: توفي فجأة بمدينة سبتة، في عام سبعة وثمانين وأربعمائة. وتقلّد الكتابة بعده أبو بكر بن القصيرة. ذكره ابن الصّيرفي.
وتكرر مالك في نسبه.
أوليته: قالوا: من ولد عقبة بن نعيم الداخل إلى الأندلس، من جند دمشق، نزيل قرية شكنب من إقليم تاجرة الجمل من عمل بلدنا لوشة، غرناطي، يكنى أبا محمد.
حاله: كان «3» أبو محمد هذا أحد وزراء الأندلس، كثير الصّنائع، جزل المواهب، عظيم المكارم، على سنن عظماء الملوك، وأخلاق السادة الكرام «4» . لم ير بعده مثله في رجال «5» الأندلس، ذاكرا للفقه والحديث، بارعا في الأدب «6» ، شاعرا مجيدا وكاتبا بليغا، حلو الكتابة والشعر، هشّا مع وقار، ليّنا على مضاء، عالي الهمّة، كثير الخدم والأهل «7» .
من آثاره الماثلة إلى اليوم الحمّام، بجوفيّ الجامع الأعظم من غرناطة. بدأ بناءه «8» أول يوم من جمادى الأولى سنة تسع وخمسمائة. وشرع في الزّيادة في سقف