دلالة الأحاديث السابقة:

يستفاد من هذا الحديث عن أبي جحيفة رضي الله عنه النهي عن بيع الدم. وقد اختلف في المراد به كما قال الحافظ ابن حجر: "فقيل: أُجرة الحجامة، وقيل: هو على ظاهره، والمراد تحريم بيع الدم كما حرم بيع الميتة والخنزير، وهو حرامٌ إجماعاً، أعني بيع الدم وأخذ ثمنه"1. وممن نقل الإجماع أيضاً على النهي عن ثمن الدم ابن المنذر2، وابن عبد البر3.

وقد كان أهل الجاهلية يجمدون الدم ثم يأكلونه فجاء الإسلام وحرم أكل الدم أولاً بقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ ... } الآية4، ثم نهى عن بيع الدم لنجاسته.

والدم الذي نهي عن بيعه في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه وإن كان قد اختلف في المراد به كما سبق، إلا أن الدم الذي يخرج من جسم الحيوان محرّمٌ أيضاً من وجهٍ آخر، وهو أن الشارع إذا حرَّم على قومٍ أكل شيءٍ حرّم عليهم ثمنه، كما سيأتي في الفصل التالي - إن شاء الله تعالى -. وأيضاً فإن ركن البيع في بيع الدم منعدم، وهو مبادلة المال بالمال، فإن الدم لا يعد مالاً عند أحد5.

وأما إذا احتاج مريض إلى دم فإنه وإن جاز نقل الدم له6، فإنه لا يجوز بيعه عليه لعموم النهي عن بيع الدم، ولما فيه من مخالفةٍ لمكارم الأخلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015