فأنكرنا ذلك، فقال ابن عباس: بيني وبين من أنكر ذلك كتابُ الله، إن الله يقول في يوم أحد: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} يقول ابن عباس: والحَسُّ: القتل {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} الآية وإنما عنى بهذا الرماة، وذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقامهم في موضع، ثم قال: "احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإنْ رَأيْتُمُونَا نقتل فَلا تَنْصُرُونَا وَإنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلا تُشْرِكُونَا. فلما غنم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأباحُوا عسكر المشركين أكبّت الرُّماة جميعا [ودخلوا] في العسكر ينهبون، ولقد التقت صفوف أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُم هكذا - وشبك بين يديه - وانتشبوا، فلما أخل الرماة تلك الخلة التي كانوا فيها، دخلت الخيل من ذلك الموضع على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فضرب بعضهم بعضا والتبسوا، وقُتل من المسلمين ناس كثير، وقد كان لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أول النهار، حتى قُتِل من أصحاب لواء المشركين سبعة أو تسعةٌ، وجال المسلمون جَوْلَةً نحو الجبل ولم يبلغوا - حيث يقول الناس - الغار، إنما كان تحت المِهْراس، وصاح الشيطان: قُتل محمد، فلم يُشَك فيه أنه حق، فما زلنا كذلك ما نَشُك أنه حق، حتى طلع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين السعدين، نعرفه بتلفته إذا مشى - قال: ففرحنا حتى كأنه لم يصبنا ما أصابنا - قال: فَرَقِيَ نحونا وهو يقول: "اشتد غَضَبَ اللهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ". ويقول مرة أخرى: "اللَّهم إنه ليس لَهم أنْ يَعْلُونَا".
حتى انتهى إلينا، فمكث ساعة، فإذا أبو سفيان يصيح في أسفل الجبل: اعْلُ هبل، مرتين - يعني آلهته - أين ابن أبي كَبْشة؟ أين ابن أبي قحَافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: يا رسول الله، ألا أجيبه؟ قال: "بلى" قال: فلما قال: اعل هبل. قال عمر: الله أعلى وأجل. فقال أبو سفيان: قد أنعمت عينها فعَادِ عنها أو: فَعَالِ! فقال: أين ابن أبي كبشة؟ أين ابن أبي قُحَافة؟ أين ابن الخطاب؟ فقال عمر: هذا رسول الله، وهذا أبو بكر، وها أنا ذا عمر. قال: فقال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، الأيام دُوَل، وإن الحرب سِجَال. قال: فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار. قال: إنكم تزعمون ذلك، لقد خِبْنا إذا وخَسِرْنا ثم قال أبو سفيان: إنكم ستجدون في قتلاكم مثلة ولم يكن