قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ [وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى]} الآية، فدَحَرَ الله الشيطان.
ثم قال ابن أبي حاتم: ... عن ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر. وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم، فكان يتمنى هُداهم، فلما أنزل الله سورة"النجم" قال: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخْرَى. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت، فقال: "وإنهن لهن الغرانيق العلى. وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى ". وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وزلت بها ألسنتهم، وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا، قد رجع إلى دينه الأول، ودين قومه. فلما بلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [آخر النجم]، سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك. غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلا كبيرا، فرفع على كفه ترابا فسجد عليه. فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود، لسجود رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين - ولم يكن المسلمون سمعوا الآية التي ألقى الشيطان في مسامع المشركين - فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطانُ في أمنية رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قرأها في السورة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم.
ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان، حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين، عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم، وصلوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه، وحُدِّثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعا وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، وحفظه من الفرية، وقال [تعالى]: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}، فلما بين الله قضاءه، وبرأه من سجع