ثبت بالنظر والاجتهاد أنه ليس عِلَّةً لذاته، بل لما يلازمه من التشويش المانع من استيفاء الفكر، فَيُحْذَف خصوص الغضب، ويُنَاطُ النهي بالمعنى الأعمّ، فيشمل النهيُ كلَّ ما يشغل القلب ويمنع من استيفاء النظر، كالجوع والعطش المفرطين (?).
القسم الثاني: أن يدلَّ نصٌّ ظاهرٌ على تعليل الحُكْم بمجموع أوصافٍ بعضها يصلح للتعليل وبعضها لا يصلح، فَيُحْذَف ما لا يصلح للتعليل عن درجة الاعتبار، ويُنَاطُ الحُكْم بالباقي من الأوصاف.
ومثاله: قصة الأعرابي الذي جامع أهله في رمضان، وجاء يضرب صدره وينتف شعره - كما في بعض الروايات - ويقول: هلكت، واقعت أهلي في نهار رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعتق رقبة" (?).
فكونه أعرابياً، وكونه يضرب صدره، وينتف شعره، وكون الموطوءة زوجته، وكونه واقع أهله في ذلك الشهر بعينه، كُلُّها أوصافٌ لا تصلح للعِلِّيَّة فَتُحْذَف عن درجة الاعتبار، ويُنَاطُ الحُكْم بالوصف الباقي الصالح للتعليل، وهو " وقاع مكلَّفٍ في نهار رمضان "، فَيُلْحق بالأعرابي غير الأعرابي، ويُلْحَق به مَنْ جامع في رمضان آخر، ويُلْحَق به من وطِئَ أَمَتَه، ويُلْحَق به الزاني (?).
وبهذا فإن حاصل " تنقيح المناط " بقسميه المذكورين آنفاً عند أصحاب هذا الاتجاه هو الاجتهاد في الحذف والتعيين.
قال المحلِّي (?): " وحاصله - أي: تنقيح المناط - أنه الاجتهاد في الحذف والتعيين " (?).
وهذا ظاهر؛ ففي القسم الأول يُجْتَهَدُ في حذف خصوص الوصف المذكور في النصِّ عن الاعتبار، ويُنَاطُ الحُكْم بالمعنى الأعمّ، وفي القسم