الشارع الحُكْم إليها؛ لعدم صلاحيتها للاعتبار في العِلَّة " (?).
ويتضح من خلال النظر في التعريفات السابقة لـ " تنقيح المناط " أن تلك التعريفات وإن كانت مختلفةً في بعض ألفاظها إلا أنها متقاربةٌ في معانيها، فأصحاب هذا الاتجاه يعتبرون أن وظيفة المجتهد في "تنقيح المناط " حذف الأوصاف غير المُعْتَبرة، وتعيين الباقي من الأوصاف عِلَّةً للحُكْم، وذلك بعد أن أُثْبِتت العِلَّة بمسلك النصِّ أو الإيماء والتنبيه، واقترن بالحُكْم أوصافٌ بعضها يصلح للعِلَّيَّة وبعضها لا يصلح، فاحتيج حينئذٍ إلى تمييز وتعيين الوصف الذي يصلح أن يكون عِلَّةً للحُكْم، وإلغاء ما سواه من الأوصاف.
ومثاله: قصة الأعرابي الذي جامع أهله في رمضان فقال: هلكت يا رسول الله، قال: " ما صنعت "؟ قال: " وقعت على أهلي في نهار رمضان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أعتق رقبة" (?).
فالتعليل بالوقاع وإن كان قد أُومِئَ إليه بالنصِّ غير أنه يُفْتَقَرُ في معرفته إلى حذف كلِّ ما اقترن به من الأوصاف غير المُعْتَبَرة في العِلِّيَّة، وإبقاء الوصف أو الأوصاف الصالحة للعِلَّيَّة، وذلك بأن يبين المجتهد بالدليل أن كونه أعرابياً، وكونه شخصاً معيناً، وأن كون ذلك الزمان وذلك الشهر بخصوصه، وذلك اليوم بعينه، وكون الموطوءة زوجةً أو امرأةً معينةً لا مدخل له في التأثير، حتى يتعدَّى الحُكْم إلى كلِّ مكلفٍ وطئ في نهار رمضان عامداً (?).
الاتجاه الثاني: ذهب بعض الأصوليين إلى أن " تنقيح المناط " يُعْتَبر بنفسه مسلكاً مستقلاً من المسالك التي تثبت بها العِلَّة.
وبناءً على ذلك فقد ذكر أصحاب هذا الاتجاه " تنقيح المناط " ضمن مسالك العِلَّة، واعتبروه دليلاً تثبت به العِلَّة الشرعيَّة.