وذلك لأن اللبن المرتضَع لايُعْرَف هو لبن أي امرأة , فلم ينظر -هنا- إلى مجرد تجميع لبن الأمهات فحسب, بل نظر إلى هذا الفعل من حيث ما يؤدي إليه , ومالا يتم ترك الحرام إلا به فتركه واجبٌ وفعله محرَّم, ولذلك اشتمل القرار على تحريم إنشاء مثل هذه البنوك وتحريم الإرضاع منها باعتبار أنها وسيلةٌ للمُحرَّم (?).
ثالثاً: من ضوابط الاجتهاد في تحقيق المناط الموازنة بين المصالح والمفاسد , ومن ذلك درء المفاسد الراجحة وإن تعلَّقت بها مصالح مرجوحة.
وقد راعى مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذا الضابط أثناء تحقيق مناط تحريم إنشاء بنوك الحليب , وذلك باعتبار أنها تؤدي إلى مفسدة اختلاط الأنساب والريبة فيها , فقد يتزوج الرجل امرأةً يحْرُم عليه الزواجُ منها لرضاعٍ محرِّم , وهذه المفسدة معتبَرةٌ في مقابل مصلحة تأمين الحليب الطبيعي من تلك البنوك الذي يمكن الحصول عليه مباشرةً عن طريق المرضِعات المتبرِّعات أو المستأجَرات ,وهنَّ موجوداتٌ بحمد الله في المجتمعات الإسلامية , كما يمكن الاستفادة من أنواع الحليب المصنَّعة التي تؤدي الغرض المطلوب دون ارتكاب مايؤدي إلى المفسدة الأعظم وهي اختلاط الأنساب والارتياب فيها.
رابعاً: ثبت باستقراء نصوص الشرع أن المحافظة على النَّسب , ومنع كلِّ مايؤدي إلى اختلاطه أو الريبة فيه من أعظم مقاصد الشريعة الكليَّة, ولأجل تحقيق هذا المقصد العظيم فقد حرَّم الشارع الزِّنا , ورتَّب عليه الحدّ , وتوعَّد مرتكبه بأشنع العقوبات , كما حرّم التَّبَنِّي، وشرَّع أحكاماً خاصةً بالعِدَّةِ وبراءة الأرحام، وأحكاما أخرى تتعلق بإثبات النسب وجحده كما في اللعان, وحرَّم الجَنَّة على من انتسب إلى غير أبيه , وغيرِ ذلك من الأحكام التي تؤكد اعتناء الشارع الحكيم بضبط الأنساب وصيانتها من كلِّ مايؤدي إلى الريبة أو