تظهر علاقة الاجتهاد في المناط بالاستحسان في جوانب عديدة, من أهمها ما يأتي:
أولاً: قد يكون المناط متحقِّقاً ظاهراً في فرعٍ , والقياس يوجب الحُكْمَ به , إلا أنه قد ثبت بدليلٍ آخر ما يقتضي العدول عن موجِب ذلك القياس إلى موجِب ذلك الدليل.
وهذا الدليل قد يكون نصَّاً من الكتاب أو السُّنَّة, وقد يكون إجماعاً , وقد يكون الضرورة , وقد يكون المصلحة, وقد يكون العُرْف , كما تقدَّم (?).
فإذا ثبت ذلك الدليل عند المجتهد قَطَعَ المسألةَ - حينئذٍ - عن نظائرها , وأجرى عليها حكماً خاصَّاً بها؛ لأن مناط الحُكْم فيها غير متحقِّقٍ في نظائرها.
ومن الأمثلة على ذلك: جواز قبول الشهادة بالسماع ممن يُوثَق بخبره في النَّسَب والموت والنكاح والدَّخول , وذلك للضرورة , بينما القياس يقتضي عدم جواز قبول شهادة الشاهد مالم يعاين المشهود به , ولكن لو لم تقبل الشهادة فيها بالسماع لأدَّى ذلك إلى الضيق والحرج الشديد في أحكامٍ تمسُّ أكثرَ الناس (?).
ثانياً: من ضوابط تحقيق المناط الموازنة بين المصالح والمفاسد كما تقدم (?) , والاستحسان في أصله الأخذ بمصلحةٍ جزئيةٍ في مقابلة دليلٍ كلي.
قال الشاطبي: "ومقتضاه -أي: الاستحسان- الرجوع إلى تقديم الاستدلال المُرْسَل على القياس، فإن من استحسَن لم يرجع إلى مجرَّد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك