وذلك لأنه أصل الأدلة , وكلُّها ترجع إليه , فهي إما تابعةٌ له، أو متفرِّعةٌ عنه (?).
قال أبوبكر الجصاص (?): " فما بيِّنه الرسولُ فهو عن الله عز وجل , وهو من تبيان الكتاب له؛ لأمر الله إيانا بطاعته , واتباع أمره , وما حصل عليه الإجماع فمصدره أيضاً عن الكتاب؛ لأن الكتاب قد دلَّ على صحة حُجِّيته الإجماع, وأنهم لا يجتمعون على ضلال , وما أوجبه القياس واجتهاد الرأي وسائر ضروب الاستدلال من الاستحسان وقبول خبر الواحد جميع ذلك من تبيان الكتاب؛ لأنه قد دلَّ على ذلك أجمع , فما من حُكْمٍ من أحكام الدِّين إلا وفي الكتاب تبيانه من الوجوه التي ذكرنا" (?).
وقال الغزالي " إذا حقَّقنا النظر بان أن أصل الأحكام واحد، وهو قول الله تعالى؛ إذ قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس بحُكْمٍ ولا ملزم، بل هو مُخْبِرٌ عن الله تعالى أنه حَكَم بكذا وكذا , فالحُكْم لله تعالى وحده, والإجماع يدل على السُّنة، والسُّنَّة على حُكْم الله تعالى " (?).
وقال الآمدي في سياق كلامه عن أنواع الأدلة: " وكلُّ واحدٍ من هذه الأنواع، فهو دليلٌ لظهور الحُكْم الشرعي عندنا به , والأصل فيها إنما هو الكتاب ; لأنه راجعٌ إلى قول الله تعالى المشرِّع للأحكام، والسُّنَّة مُخْبِرةٌ عن قوله تعالى وحُكْمِه، ومستندُ الإجماع فراجعٌ إليهما , وأما القياس والاستدلال فحاصله يرجع إلى التمسك بمعقول النصِّ أو الإجماع، فالنصُّ والإجماع أصل، والقياس والاستدلال فرعٌ تابعٌ لهما " (?).