ثانياً: الإقرار.
وهو في اللغة: الإذعان للحق والاعتراف به، مِنْ أقرَّ بالشيء: إذا اعترف به (?).
وفي اصطلاح الفقهاء: إخبارٌ عن ثبوت حقٍّ للغير على نفسه (?).
فإذا أقرَّ المُدَّعَى عليه - إقراراً صحيحاً - بثبوت حقٍّ للغير على نفسه، أو ثبوت واقعةٍ تترتَّب عليها آثارٌ شرعيَّة، فقد تحقَّق مناط الحُكْم فيما أقرَّ به.
ومن أوضح الأدلة على ذلك: ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ... وزيد بن خالد الجهني (?)
أنَّ رجلاً من الأعراب أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الآخر وهو أفقه منه: فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي، فقال: قل، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخْبِرْتُ أنَّ على ابني الرجم، فافتديت منه بمائةٍ شاةٍ ووليدة، فسألتُ أهلَ العلم فأخبروني أنَّ على ابني جلد مائةٍ وتغريب عام، وأنَّ على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردّ عليك، وعلى ابنك جلد مائةٍ وتغريب عام، واغدُ يا أُنيسِ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " (?).
فالحديث صريح الدلالة على اعتبار الإقرار حُجَّةً يتحقَّق بها مناط الحُكْم فيما أُقِرَّ به، وبهذه الحُجَّة ينحسم النزاع بين المدَّعِي والمدَّعَى عليه، فدلَّ ذلك على أن الإقرار يُعْتَبر مسلكاً من مسالك تحقيق مناطات الأحكام في الوقائع القضائية.
ومثال ذلك: أن يُقِرَّ المُدَّعَى عليه إقراراً مستوفياً لشروطه بأنه قذف مسلمةً محصَّنةً بالزنا، فيثبت حينئذٍ مناط وجوب إقامة الحدِّ عليه بذلك، لأنَّ