المبحث الرابع
مراعاة اختلاف مقاصد المكلَّفين
إنَّ الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام على أقوال المكلَّفين وأفعالهم يستلزم من المجتهد مراعاةً اختلاف مقاصد المكلَّفين من تلك التصرفات؛ لأنَّ إجراء الأحكام على أفعال المكلَّفين وأقوالهم يختلف باختلاف قصد كلِّ مكلَّفٍ من إيقاع ذلك الفعل أو التلفُظ بذلك القول، وقد تتفق الأعمال في الصورة الظاهرة إلا أنها تتميَّز أحكامها بحسب مقاصد أصحابها.
قال ابن القيم: " وقد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده، وفي حِلِّة وحرمته، بل أبلغ من ذلك، وهي أنها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقدٍ تحليلاً وتحريماً، فيصير حلالاً تارةً وحراماً تارةً باختلاف النيَّة والقصد، كما يصير صحيحاً تارةً وفاسداً تارةً باختلافها .. " (?).
ثم أورد أمثلةً كثيرةً على اختلاف الأحكام باختلاف النيَّات والمقاصد رغم أن صورة الفعل واحدة، ومنها (?):
- الحيوان يَحِلُّ إذا ذُبِح لأجل الأكل، ويَحْرُم إذا ذُبِح لغير الله.
- غير المُحْرِم يصيد الصيد للمُحْرِم فيحْرُم عليه، ويصيده للحلال فلا يَحْرُم على المُحْرِم.
- عَصْرُ العنب بنيَّة أن يكون خمراً معصية، وعصره بنيَّة أن يكون خَلاًّ جائز.