المبحث الثاني مراعاة اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة

المبحث الثاني

مراعاة اختلاف الأحوال والأزمنة والأمكنة

إن الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام يستلزم مراعاة اختلاف الأحوال التي تحيط بكلِّ واقعة، والأعراف التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ لأن الحُكْم يدور مع مناطه وجوداً وعدماً، وقد يطرأ على الوقائع من اختلاف الأحوال وتغيُّر الأعراف بحسب الأزمنة والأمكنة ما يؤثر في اختلاف الأحكام، وهو ما يجب على المجتهد مراعاته في تحقيق المناط.

قال ابن عابدين (?): " كثيرٌ من الأحكام تختلف باختلاف الزمان، لتغيُّر عُرْفِ أهلِه، أو لحدوثِ ضرورة، أو لفسادِ أهلِ الزمان، بحيث لو بقي الحُكْم على ما كان عليه أوَّلاً للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف واليسر ودفع الظلم والفساد، لبقاء العالم على أتمِّ نظامٍ وأحسَن أحكام .. " (?).

وهذا الضابط مبنيٌّ على أنَّ اقتضاء الأدلة للأحكام الشرعيَّة بالنسبة إلى محالِّها على وجهين (?):

أحدهما: الاقتضاء الأصلي قبل طروء العوارض، وهو الواقع على المحلِّ مجرَّداً عن التوابع والإضافات، كالحُكْم بإباحة الصيد، والبيع، والإجارة، وسَنِّ النكاح، وندب الصدقات غير الزكاة، وما أشبه ذلك.

والثاني: الاقتضاء التبعي، وهو الواقع على المحلِّ مع اعتبار التوابع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015