والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حُكْم الله الذي حَكَمَ به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبِّق أحدهما على الآخر " (?).

وذلك أن الحُكْم على الشيء فرعٌ عن تصوره، فالاجتهاد في إثبات مُتَعَلَّق حُكْمٍ شرعيٍّ في بعض جزيئاته، وإدراج ذلك الجزئي تحت حُكْم الكلي، مبنيٌّ على تصوُّر محلِّ ذلك الحُكْم الشرعي، ومعرفةِ حقيقته.

قال ابن السعدي (?): " جميع المسائل التي تحدث في كلِّ وقت، وسواءٌ حدثت أجناسها أو أفرادها يجب أن تُتَصَوَّر قبل كلِّ شيء، فإذا عُرِفت حقيقتها، وشُخِّصَت صفاتها، وتصوَّرها الإنسان تصوُّراً تامّاً بذاتها ومقدماتها ونتائجها، طُبِّقَت على نصوص الشرع وأصوله الكلية " (?).

وكلُّ من يحْكُم على شيءٍ فإنما يحْكُم عليه بناءً على الصورة الحاصلة في ذهنه، فلابدَّ من مطابقة صورة الشيء الحاصلة في الذهن مع صورته في الخارج (?).

والتقصير في تصور الواقعة أو الخطأ في ذلك يؤدي - غالباً - إلى الخطأ في تنزيل الحُكْم الشرعي على تلك الواقعة.

ولهذا فإن أكثر أخطاء المجتهدين ترجع إلى التقصير أو الخطأ في تصوُّر محلِّ الحُكْم الشرعي.

قال الحجوي (?): " وأكثر أغلاط الفتاوى من التصورّ " (?).

ولا شك أن التصوُّر الصحيح التام للواقعة يجنِّب المجتهد الخلط بين المسائل المفضي إلى الخطأ في إجراء الأحكام على تلك الواقعات، فعلى المجتهد أن يبين حقائق الواقعات لاسيما التي قد تتشابه صورةً وتختلف معنى وحكماً، أو التي يكتنفها الالتباس في معرفة حقيقتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015