ومثاله فيما إذا كان المناط معلوماً بالإجماع: وجوب المِثْل في قِيَم المُتْلَفَات، فالمناط - وهو المِثْل في القيمة - معلومٌ بالإجماع، أما المثلية في القيمة في بعض الصور الجزئية فمظنونٌ بقول المُقَوِمِين المبنيِّ على الاجتهاد والمقايسة، فمن أتلف فرساً فعليه ضمانه، والضمان هو المِثْل في القيمة، أما كون مائة درهمٍ مِثْلاً له في القيمة فإنما يُعْرَف بالاجتهاد (?).

وهذا النوع من الاجتهاد يُعْتَبر من ضرورات الشريعة؛ لأن الشارع لا يمكن أن ينصَّ على حُكْم كلِّ واقعةٍ أو شخص، فالتنصيص على عدالة كلِّ شاهد، وقدر كفاية كلِّ شخصٍ مُحَال، وإنما جاءت الشريعة بألفاظٍ كليَّةٍ وعباراتٍ مُطْلَقَةٍ تتناول أعداداً لا تنحصر (?).

قال ابن تيمية: " فهذا الاجتهاد - أي: تحقيق المناط - مما اتفق عليه العلماء، وهو ضروريٌّ في كلِّ شريعة، فإن الشارع غاية ما يمكنه بيان الأحكام بالأسماء العامة الكليَّة، ثم يُحْتَاج إلى معرفة دخول ما هو أخصّ منها تحتها من الأنواع والأعيان " (?).

والمناط إذا ثبت بنصٍّ أو إجماعٍ فالاجتهاد في تحقيقه في إحدى صوره الجزئية لا يُعْتَبر من القياس؛ لأنه نوع اجتهادٍ اتُفِقَ على العمل به بين الأُمَّة حتى عند مُنْكِرِي القياس؛ وذلك لأنَّ المناط ثبت بيقينٍ فلم يبقَ إلا الاجتهاد في إثبات محلِّه، وهذا من ضرورات الشريعة، وإلا بقيت الأحكام الشرعيَّة مقررةً في الأذهان، ولا وجود لها في الخارج (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015