وهذا التعريف مبنيٌّ على أن كلَّ استدلالٍ له مقدمتان (?):
الأولى: تتعلق باستنباط الحُكْم من دليله الشرعي.
والثانية: تتعلق بتعيين محلِّ الحُكْم، أي: تطبيقه في الوقائع والجزئيات التي يشملها ذلك الحُكْم.
فالأولى ترجع إلى نفس الحُكْم الشرعي، والثانية ترجع إلى تعيين محلِّ الحُكْم الذي هو تحقيق المناط (?).
فالنظر في المقدمة الأولى يشمل كلَّ دليلٍ شرعي، والنظر في المقدمة الثانية يشمل مُتَعَلَّقَ كلِّ حُكْمٍ، سواء كان عِلَّةً أو غير ذلك، كأن يكون مُتَعَلَّقُ الحُكْم معنىً كلياً ثبت بالنصِّ أو الإجماعِ أو الاستقراءِ كما يتضح ذلك من خلال الأمثلة التي أوردها الشاطبي، ومنها:
- إذا شرع المكلَّف في تناول خمرٍ مثلاً، قيل له: أهذا خمرٌ أم لا؟ فلابدَّ من النظر في كونه خمراً أو غير خمر، فإذا وجد فيه أمارة الخمر أو حقيقتها بنظرٍ مُعْتَبَر، قال: نعم، هذا خمر، فيقال له: كلُّ خمرٍ حرامُ الاستعمال، فيجتنبه (?).
- إذا أراد أن يتوضأ بماء، فلابدَّ من النظر إليه: هل هو مُطْلَق أم لا؟ وذلك برؤية اللون، وبذوق الطعم، وشمِّ الرائحة، فإذا تبين أنه على أصل خلقته وأنه مُطْلَقٌ فالوضوء به جائز (?).
- إذا قال الشارع: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وثبت عندنا معنى العدالة شرعاً افتقرنا إلى تعيين مَنْ حصلت فيه هذه الصفة، وليس الناس في وصف العدالة على حدٍّ سواء، بل ذلك يختلف اختلافاً متبايناً (?).
- إذا أوصى بماله للفقراء، فلا شك إن من الناس من لا شيء له،